(5) إكتشاف الحقيقة المُرة

22 4 7
                                    

***
خذ ما تشاء من الجسد
فأنا جثة مسجاة امامك
انهش في لحمي
فهذا ليس من الرجولة
ولا يكون على احد
فقّع عيني لكي لا ترى
فليس بينك و بين ابي لهب
فرقا شاسعا
سأقول في صراخي.. أُحد أُحد

تذكرت شيئا كانت تخبئه منذ زمن هي لا تعرف ماذا حصل و لكنها تدرك أنه بالتأكيد ليس بالأمر الجيد. بداية تذكرت درسا عن جسم الرجل و المرأة وكيف كانت زميلاتها يضحكن بخجل و استحياء، وكيف ظللن يتبادلن الحديث طوال ذلك اليوم عن الدرس. بعدها جاءتها خيالات وهي خارجة مع ابن عمها عندما كانت صغيرة، خيالات وهي مع خالها في البيت الكبير.
ماذا يحدث.. استفاقت من غفوتها اتضح صوت الفتاة على الراديو وهي تحكي قصتها للشيخ، ولكن ما علاقة ذلك بها، لا تعرف معنى كلمة تحر*ش! هل كان عم هذه الفتاة يضربها كما فعلت "مودة" الشريرة بها ولماذا تشتكي للشيخ.
حتما هذا الشيخ طيب أخذ يقول لها كلام جميل و مريح و بعض من الكلمات لا تفهمها
فكرت هل تقول لأمها أن تتصل للشيخ وتحكي لها عن" مودة" الشريرة و لكن ليس لدى امها محمول.
ولكن! ما تلك الخيالات! لماذا ابن عمها بالتحديد من تذكرته .. مهلا! خالها " الماحي" كان يلعب معها لعبة كالتي لعبها ابن عمها فيما مضى.
ولكن هي لا تحب تلك اللعبة مع أن خالها يرغمها عليها مما جعلها تكرهه كأخوتها. ولكن مازال خالها " الماحي" يضربها خفية إذا رفضت و يطالبها بالصمت، كما فعل ابن عمها وهي ابنة خمس سنوات.
مسكت رأسها لوهلة صار صوت الراديو بعيد جلست في وسط سريرها تنظر لأمها الغارقة في نومها بعد يومها الطويل في العمل.
نظرت لإخوتها هناك نائمون، ما زال خالها "الماحي" لم يأتي كعادته في السهر.
جلست تفكر ما معنى تحر*ش ما تلك اللعبة التي لا يلعبها خالها الا معها في السر. هي تعلم أن شيئا سيئا فيما تفكر فيه ولكن الصورة لم تتضح لها بعد. جلست تفكر و تقلب رأسها حتى سقطت تهذي وقد هاجمتها الذكريات المدفونة داخل عقلها أكانت تخبئها عن عمد أم كانت خائفة من تذكرها، زادت حرارتها بلل العرق جسدها الصغير صارت تتكلم بكلمات غير مفهومة حتى استيقظت امها على صوت صراخها المكبوت..
أفاقت الصبح وهي بقرب امها لا تتذكر شيئا. فهمتها امها أنها اصيبت بحمى ليلة أمس و الحمدلله قد زالت عنها بعدما شربت دواء خافض الحرارة.
لم تتكلم "ذات" و كانت عيناها حمراوان و أنفاسها تتسارع قبضت على يد امها كأنها مرتعبة من شيء ما. لبثت امها تهدئها شيئا فشيئا و عيناها متعبتان حتى غفت مرة اخرى..

......

بعد أيام عديدة عزمت على سؤال امها عن كلمة تحر*ش التي سمعتها في الراديو في ليلتها المشؤومة.
اتسعت عيون امها بإرتباك و تهربت من إجابتها و تحججت بعملها المتراكم. و أمرتها أن لا تتفوه بتلك الكلمة مرة اخرى.
زادت حيرة "ذات" أكثر فلم تدري من تسأل. ليس لديها صديقة و تخجل أن تسأل اخاها "حمزة"، حينها فكرت بقراءة كتابها عن ذلك الدرس الذي تذكرته في ليلتها المربكة تلك.
لم تجد شيئا غير مكونات جسم الانسان (الذكر و الأنثى)، ولكن مهلا أليس هذه الصورة قد رأتها من قبل!! صورة بعنوان تكوين جسم الذكر، أين رأتها!!!
إنها جسم ابن عمها و خالها ولكن كيف وضعوهم هنا.. ولماذا كانا يلعبان معها تلك اللعبة المخيفة بهذا الشئ الذي على اجسادهم
صارت مرتبكة أكثر العرق يتصبب من جبينها الصغير .. أحست برجفة مألوفة كتلك التي تنتابها مع خالها... زادت حرارة جسدها
قالت لنفسها أنه حتما ليس أمرا جيدا، و أن ابن عمها ذاك سيء و خالها أكثر سوءاً. لماذا أحست بالقرف، لماذا صارت تسرح وتتخيل أشياء تعجز عن تفسيرها، لماذا خافت و ارتعبت.
إذا كانت زميلاتها يخجلن من هذا الدرس فعليها أن تشعر بالإحراج أيضا مما فعله خالها بها. ولكن هذا أكبر من الإحراج و أكثر من خجل لماذا لا تستطيع استيعاب ذلك الشعور بداخلها. حتى أنها كرهت نفسها و كرهت خالها و شعرت بالإشمئزاز من نفسها و جسدها.
ولكن ما هي تلك اللعبة، لماذا يفعلها خالها معها على الدوام، ليست ممتعة، كلما تتهرب يعاقبها.. كلما ترفض يضربها.. كلما بكت يخرجها من البيت و يصرخ عليها.
إنها أفكار أكبر من إن تستوعبها طفلة مراهقة ابنة 13 سنة.
كان ذلك السبب الذي يجعلها إنطوائية، خائفة على الدوام، خجولة، صامتة، متوحدة، منعزلة.
ذلك هو سبب كوابيسها، سبب خوفها و رهابها من الناس. سبب تدني دراستها، سبب دمار نفسيتها حتى دون ان تعرف.

"قتلوا برائتها، سرقوا صفوة طفولتها، اختلت شخصيتها"

صارت الصورة اوضح لـ"ذات" الأن عرفت معني تلك الكلمة صار عقلها أكثر تفتحا. باتت الرؤية واضحة، ما فعلاه ابن عمها و خالها لم يكن تلك الكلمة فقط كان شيئا أكثر فداحة أكثر عمقا و أشد ألما عليها، ( خالها و ابن عمها اغتصباها) وليتها لم تتضح .
بدأ ابن عمها فعلته أولا عندما كانت ذات خمس سنوات عندما جاءوا حديثا من الصحراء، عندما كان ابن عمها "ادم" يصطحبها بحجة أن تتعود الى الناس و كان يختلي بها ( وكأن خطر الموت في الصحراء لم يكن يكفي لتجد خطراً أشد موتاً وإيلاماً بين أهلها ).
حتى خالها الذي كانت تظنه يحنّ عليها و على اخوتها اظهر أنيابه ليكمل طريق ما بدأه "ادم".

***

فهمت كل ذلك و هي مراهقة صغيرة ذات عُقَد نفسية جسيمة تراكمية على مدى طفولتها، تعاني من الفقد الأبوي، تعاني من خذلان أقرب الأقربين، تعاني من التنمر، تعاني من الوحدة، تعاني من الإستغلال.
مراهقة تبحث عن الحب، عن الصحبة عن الكلمة الطيبة.
مراهقة لم تعش طفولتها، لاحقتها الصدمات عن عمر صغير، تحملت أكبر من طاقتها، واجهت مصائبها لوحدها.
لم تشتكي لم تبح بوجعها، لم تستطع التكلم فهذه ليست طباعها، آثرت ألمها بمفردها، عانقت وجعها إلتفت حول نفسها تقوقعت كل تلك السنوات وجعلت العزلة الصاحبة الوحيدة لها، أنه لأمر جلل، أن تكتشف كل ذلك بعد فوات الآوان. كأنها كانت مغيبة لا ترى و لا تسمع فقط تراقب ما يُفعل بها.

ذاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن