(8)"ذات" بعمر 18 عام

14 1 0
                                    

تخرجت "ذات" من الثانوية بنسبة كبيرة تأهلها ان تدخل اي كلية تريدها. اصرت امها ان تدخل كلية الطب لتصبح ام الدكتورة. ولكن "ذات" لم تكن مقتنعة لأن الطب سنينه طويلة و يحتاج لكتب و مراجع و مستلزمات لا تستطيع امها توفيرها و ليس هناك منحة توفر لها كل احتياجاتها كما الثانوية. قررت ان تدخل كلية التمريض فقط لترضي امها و في نفس الوقت سوف تتخرج في اربعة سنوات و ستضمن عملها بعد تخرجها.

أما "شريفة" فقد دخلت كلية الطب بعد ان اصرت على "ذات" بالتقديم معها و لم تستطع اقناعها. و بالنسبة لـ"سارة" و "دلال" قدمتا في كلية الفندقة و السياحة في القطاع الخاص فنسبتهما لم تدخلهما في القطاع العام كما هو متوقع. ولكنهما لم يفترقا عن "ذات" فقد اختارتا نفس جامعتها، على خلاف "شريفة" التي آثرت جامعة اخرى لتشق طريقها نحو هدفها بأن تصبح طبيبة متخصصة في امراض القلب.

أصبحت"ذات" الصغيرة ناضجة، جميلة، متفتحة العقل تنظر للحياة امامها، فكل ما عاشته من مصائب و وخداع وخذلان و استغلالية جعلها تفهم كيف تسير الحياة و كيف يفكر الناس، فنصائح "سارة" و "دلال" اتت ثمارها.
"ذات" الان فتاة جامعية تحس بالمسؤولية تبذل جهدها لتحافظ على نفسها من فتن الجامعة و صديقات السوء والرجال طبعا التي تكرههم بطبيعتها.
تساعد امها كلما اتتها فرصة فلقد اصبحت ماهرة في التفصيل.. امضت الاربعة سنة ما بين المذاكرة و الامتحانات و المستشفي و عملها في الخياطة عند الاجازات. علاقتها بصديقاتها صارت اقوى، لم تكن تتوقع ان تكون "شريفة" مهتمة لأمرها وسط انشغالها في كليتها، حتى "سارة" و "دلال" لم يتخليا عنها وسط معارفهم الكثيرة، ربما لأنهم رأوا ما بداخل "ذات" الفتاة الحزينة الوحيدة التي تبحث عن صحبة، ربما التمسوا نقاءها و شعروا ببياض قلبها.
ففي الأخر كان حظها من الدنيا "شريفة" و "سارة" و "دلال". كانن يتبادلن الحب لبعضهن مع ان كل واحدة مختلفة عن الاخرى ربما هذا هو السبب قبول كل واحدة بالأخرى بلا اطلاق احكام او انتقاد.

................

امضت "ذات" احلى اربعة سنة في حياتها بكل التعب و السهر و المشاوير الطويلة، بكل القصص الحزينة التي عاشتها في المستشفى مع المرضى، كل اللحظات الجميلة مع صديقاتها، بكاء "سارة" و اكتئابها بعد ان تخلي حبيبها عنها، و ،مشاكل "دلال" مع احباءها الكُثر و مضايقة الفتيات لها فكانت تعمل على خطف كل شاب تعجب به مهما يكون فكانت تقول دائما ان سارة البلهاء لم تتعلم منها شيئاً، لقاءاتها مع "شريفة" القليلة كان محفزا لها لتستمر في طريقها. طالما نجحت "شريفة" في دعم "ذات" و بث الطاقة الايجابية فيها، ربما "شريفة" تحس بالذنب على سكوتها فيما مضي علي تنمر "مودة"الشريرة لـ"ذات" فهي كانت حاضرة و شاهدة على كل ما حصل في تلك الفترة، مع انها لم تشارك هذا الاحساس مع "ذات" أبداً.

اخيرا كوّنت "ذات" ذكريات جميلة لتمحي بها تلك المؤلمة. احبت كليتها، دفعتها، اساتذتها، كل ركن كانت تجلس فيه، كأنها اخيرا انتمت لشيء ما. شيئا يخصها صنعته بنفسها استحقته بمجهودها. فكل ما وصلت له لم يكن سهلا عليها. ما عانته طوال طفولتها و اضطرارها للعيش فقط لكي لا تنهار. ما واجهته لوحدها و هي طفلة لم يكن سهلا، تلك الليلة التي جعلت حدا لمأساتها لم تغِب عن بالها يوما. الفراغ الذي تركه ابيها لا تدري كيف تملأه... هي فقط تكافح كل يوم بيومه. طفولتها الضائعة خلفت شرخا في قلبها، عُقَدها صارت اخف ولكنها لم تتشافى نهائيا.

هشاشة قلبها التي تخفيها عن الاخرين تجعلها تخوض حربا داخليا تنهكها ولكنها تتماسك لأجل اسرتها و امها.
سرحت "ذات" في رحلتها الطويلة فقد بدأتها فقط ببحثها عن رفيقة تساندها.. اختارت ان تغير حياتها بالدراسة و بين الوقوع في الكتب، الى ان وصلت الى ما هو عليه الان..
من فتاة منسية بذلك الركن بكل تراكمات حزنها الى ممرضة واثقة بنفسها تحارب لتكون على ما يرام لتساند امها و اخوتها...

ذاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن