**غدر القريب هو بداية كل حكاية سيئة، و كل قصة خذلان يكون أبطالها الأشخاص الذين نثق بهم، فالحياة لا تنصف الضعيف ولا تلين على البريء.**كانت "طيبة -29 عاما- " والدة "ذات" لا تدري ماذا ستواجه بعد أن أجبرت نفسها بحمل ذلك الثقل لوحدها و المخاطرة و الرحيل عن زوجها في ليبيا ومعها أربعة أطفال وهي تعرف جيداً أن بإمكانها أن تفقد روحها و أطفالها في هذه الرحلة. لم تستطع الانتظار حتى يتوقف الحصار لتأتي جواً فآثرت السفر براً في الصحراء.
بعد معاناة 20 يوما في الصحراء القاسية وصلوا السودان، حمدت "طيبة" الله على نجاة أبناءها بعد رحلة الموت التي خاضتها، نزلت مع عم أولادها في بيته في (نيالا) الذي كان معها في هذه الرحلة و هذا ما كان يطمئنها قليلا.
استقبلتهم زوجته وأولاده أحسن استقبال، لم تصدق "طيبة" أنها في وطنها أخيرا بعد هول ما عانوه في الرحلة.
"ذات" بطلتنا الصغيرة ذات الخمس سنوات كانت تراقب بعيون بريئة هي وإخوتها و هي ملتصقة بأمها بعد أن تبدل حالهم.كانت تسمع من أمها وهي تحكي لزوجة عمها كيف صبرت كل تلك الأيام في الصحراء وهي داخل شاحنة ومن فوقها رجال ببضائعهم معبئة على أخرها. ذكرت لهم كيف هاجموها الكلاب الضالة أو الذئاب فهي لم تراها في ظلام تلك الليلة. و ذكرت لهم كيف تعطلت الشاحنة بعد عاصفة رملية اجتاحت طريقهم حتى بات لديهم شح ماء وكادوا أن يموتوا عطشا لولا رحمة الله وتصليح الشاحنة بعد عُدة أيام. حتى أن دمعة خرجت من عينها بعد أن كادوا يسلبون أطفالها في الحدود فإنهم لم يصدقوا أنها أم الأطفال و اشتبهوا اختطافهم، إلا الورق و شهادات الميلاد التي أنقذتها من حرمان أبناءها.
أخوها الاكبر"حمزة" كان بعمر السابعه و بعده "حسين" كان أبن ستة سنة و اختها الصغرى "مني" كانت لا تزال في اشهرها الثامنة الاولي.
ظلت "طيبة" في بيت عم أولادها قرابة الشهر لترتاح من عناء الصحراء و تستقبل أهل زوجها لكي يروا أولاد ابنهم لاول مرة، كانوا سعداء لملاقاة أطفاله خاصة ابن عمهم "آدم" ذا العشرون عاما الذي كان يأخذ "ذات" ويخرج بها بحجة أن يجعلها تتعود على الناس و يخرجها من صدمة الرحلة.وصلت "طيبة" الي بلد أهلها (قرية في شمال السودان) وهي سعيدة بسلامة أولادها بعد خوض تلك التجربة المرة و المخيفة مع أن في قلبها غصة و حزن عميق بعد أن طلبت الطلاق من والدهم قبل أن تغادر، تاركاً أولاده وأمهم يواجهون الموت غير أبهٌ بما يلاقونه من مصائب.
ولكن ما ظننته أن مشاكلها سوف تتوقف بعد عودتها الي بيت أباها باءت بالفشل بعد أن لاحظت عدم سعادة أهلها بها و هي عائدة تجر أربعة أطفال معها.
فهي اختارت بيت أهلها خير من بيت زوجها الذي ضاقت فيه المُر.صبرت "طيبة" علي معاملة أهلها لها و لأولادها السيئة. كانت تعلم أن أهلها ليسوا بنعم الأهل، ولكنها لم تتوقع أن يكونوا بهذا السوء.
جبرت نفسها على المكوث فليس لديها وجهة أخرى و لا مكان تذهب إليه.كان والد طيبة " عجبين" ليس له كلمة على والدتهم "السُرة" فقد كانت امرأة سليطة اللسان متعصبة و عنصرية بدرجة أولى وقد ورثت ذلك لشقيقات "طيبة"، و لكن مع كل تلك الصفات التي تتسم بها والدتها لم تكن أسوأ من أختها الكبرى"التايه" التي لم تتزوج بعد فهي الآمر و الناهي في البيت الكبير و والدتها " السُرة" تنفذ لها كل ما تريد.
فقد كانت ترمي لها بالكلمات الجارحة لأنها ذهبت عروس "ابنة 18 سنة" و اتت بعد 10 سنوات بأربع صغار و تركت زوجها بدون رضاه.
كل يوم كانت تتعذب "طيبه" أكثر خصوصا إنها لم تتلقى أي خطابات أو أي خبر عن زوجها..
لم تعرف لمن تشتكي أو ترمي ذلك الحمل الذي أثقل كاهلها منذ سنين، أمها "السُرة" لم تسمع لها وقامت بتوبيخها و رمي اللوم عليها لأنها جاءت لوحدها بالصحراء وأن البيت مليئ بإخواتها الخمسة اللآئي لم يتزوجن بعد و إنها تعبت منهن ومن مسؤوليتهن و جلب المصائب.أخواتها الأخريات لم يفعلن شيئا مخافة من "التايه" أختهم، إلا شقيقتها " منال" كانت تأتي لها خفية بالأكل و تطبطب عليها قليلا. والدها "عجبين" تفاجأ بقدومها فقد زاد همه و تضائلت صحته وهو يجري لكسب العيش من اجل بناته حتي أولاده الذكور لم يساعدوه و كل واحد يجري لمصلحته فمنهم من سافر خارج البلد و انقطعت أخباره و منهم من إلتحق بالجيش وسافر الجنوب.
وأخيرا الأخ الأصغر لطيبة " الماحي" هو كان نعم الأخ لها فهو من يساندها ويهون عليها مكوثها في البيت الكبير و يلاعب أطفالها، ويحاول أن يخرجهم من انطوائيتهم. مع أنها كانت تنصحه مراراً بأن يترك عادته السيئة في تقطيع الصلاة، وهو دائما ما كان يتجاهلها أو يتظاهر بأنه سيحاول.لم تشتكي "طيبة" طيلة عيشها مع أهلها و هي صابرة من اجل أولادها فهم عوضها و قوتها في هذه الحياة.
حتى جاء ذلك اليوم و صارت "التاية" تصرخ بأعلى صوتها فى وجه "طيبة" بأن عليها الرحيل و أنها حمل ثقيل عليهم لن يرضوا به وأنها اختارت الرحيل عن زوجها و إن عليها تحمل المسؤولية بعيدة عنهم.
لم تتحمل "طيبة" تلك المهانة و ذلك الذل و لم يقف معها أحد حتي والدتها "السرة" لم تجرؤ مقاطعة بنتها المسعورة "التاية" حتى أخواتها لم يبدين ردة فعل كأنهن متفقات على ذلك حتى "منال" ظلت تنظر و عيونها مليئة بالدموع.
صدمت"طيبة" من ردة فعل أهلها فهم أهلها و من دمها كيف لهم أن يتصرفوا بتلك الطريقة القاسية. أين ستذهب بصغارها أين ستحتمي تحت سقف إذا بيت أهلها لم يتسع لها. و إذا أهلها لم يخافوا عليها.بكت بحرقة و تحسرت على حالها و أشفقت على أبناءها وأحست أنها ظلمتهم بقراراتها و بمجيئها الى السودان دون رضى والدهم. ولكن كان لديها أسبابها فقد اجبرت نفسها بالرحيل لأجل صغارها بأن يعيشوا حياة أفضل بدل أن يستيقظوا كل يوم على أصوات أبويهم و أصوات الشجار و إهمال والدهم . ولكنها لم تدري بأن المشاكل لن تتوقف بعد اجتياح الصحراء و مواجهة الموت، لم تدري بأن أهلها سيتخلون عنها بهذه البساطة، لم تدري بأنها فقدت السند فقدت أهلها فقدت أمها بعد أن صمتت وهي تسمع "التاية" تطردها كالغريبة، كالزائرة العابرة.
*لماذا تأتي الطعنة دائما من المقربين؟ ربما لو كانوا أكثر بعدا لأصابت طعنتهم مكانا آخر أقل خطورة ، أقل ألما ، لا ينضح بالنبضات التي تدق لأجلهم !*
أنت تقرأ
ذات
Nouvellesتحيّ.. تعيشي.. لا مقهورة .. لا منهورة.. و لا خاطر جناك مكسور.. بل مستورة.. يا ذات الضرا المستور.. سلاماً تلك كانت قصة "ذات" .. يا ترى كم من فتاة تشبه "ذات"، كم من فتاة سلكت طريقها و تاهت في ظلام وجعها السري،