(11) زواج "ذات"

18 2 0
                                    

يا سيِّدتي لا تَضطربي مثلَ الطائرِ في زَمَن الأعيادْ.
لَن يتغيرَ شيءٌ منّي. لن يتوقّفَ نهرُ الحبِّ عن الجريانْ.
لن يتوقف نَبضُ القلبِ عن الخفقانْ.
لن يتوقف حَجَلُ الشعرِ عن الطيرانْ.
حين يكون الحبُ كبيراً.. والمحبوبة قمراً..
لن يتحول هذا الحُبُّ لحزمَة قَشٍّ تأكلها النيرانْ
***

بعد عدة أيام تفاجأت "ذات" بأمها تخبرها ان مدام "نعمات" وابنها و زوجها سوف يأتون لخطبتها بعد يومين و أن عليها أن تتجهز للخطوبة فحالتها يرثى لها... قالت معاتبة لها:( انظري لصديقاتك كيف هما يشعّان أنوثةً وانتي مثل الرجال لا تهتمين بنفسك.. سوف اتصل لهما ليأتيا و ينتشلانك من وضعك هذا)
صُدمت "ذات" لذلك، كانت بدأت تصدق ان الموضوع انتهى!
لم تستطع كبح غضبها حتى وجدت نفسها تتصل له مهاجمةً له و أن هذا ليس من شيم أخلاق الرجال و أنها تكرهه ولا تطيق النظر في وجهه.. كعادته لم يعلق إلا بكلماته الباردة لتهدئتها و وعدها أن كل شي سيسير على ما يُرام.
قبل الخطبة بيوم جاءتها صديقاتها لتجهيزها فقد بذلا جهدا لإقناعها و اسكاتها حتى انتهتا من مهمتهما الصعبة..
جاء يوم الخطبة و "ذات" في عالم اخر لم تدري كيف بدأ و كيف انتهى ذلك اليوم. كان الخوف يتملكها و احساس ان هذا الشخص سوف يفضحها عندما يتزوجا يصيبها بالهلع..
مرت ثلاثة أشهر اخرى و "ذات" أبعد أن تكون سعيدة وهي تجهز لتحضيرات العُرس.. في هذه الشهور كانت كوابيسها تتزايد بعد أن اختفت لفترة، تأتيها الحمى كلما قرُب موعد الزواج، تتجاهل مكالمات خطيبها، تسرح كثيرا و صار الهمّ يرتسم واضحا في ملامحها.

الى أن جاء اليوم الموعود حضر عمها و جدتها "السُرة" و خالاتها إلا "التاية" رفضت دعوة اختها ولم تأتي - احيانا هنالك اناس لا تستطيع الأيام أن تمحي قسوة قلوبهم - حتي "نفيسة" عمتها جاءت لتعتذر لـ"طيبة" عن ما بدر عن أخيها...

و تم عقد القِران و انتهت مراسم الزواج وكانت "ذات" في أجمل طلة لها حتى إنها تفاجأت بمظهرها ولكنها لم تكترث لتلك اللفتة غارقةً في متاهة أفكارها، لتجد نفسها مع ما يسمى زوجها وحيدين في شقتهما ينظر كل واحدا للأخر على استحياء.

اقترب "أيمن" نحوها وضع يده على رأسها و تفوه ببعض الأيات و الدعاء وهي حانية راسها للأسفل..
بعد أن انتهى دعاها لتجلس، اعطاها كأس ماء فمنظرها كان يُرثى له، أمسكت الكأس و هي ترتجف، ارتشفته كله دفعة واحدة..
قام "أيمن" بالجلوس بقربها، أمسك يدها وقال لها: ( انا آسف!! اعرف أنك وافقتي على هذا الزواج مرغمة عنك، اعذُرينني على أنانيتي.. ولكنني لم يكن لدي خيار اخر .. لم أستطع.. لم أستطع..) كاد يستكمل بكلمات أخرى ولكنه صمت..
نظرت "ذات" إليه محتارة ولم تتفوه بكلمة، قام من قربها و دخل غير ملابسه و توضأ و طلب منها أن تبدل وتتوضأ ليصليا ركعتين، قامت مستحية وخائفة، ظلت ربع ساعة في الحمام لملمت شتات أفكارها و استعادت رباطة جأشها وخرجت مرتدية فستان أبيض طويل يجعلها تشعً أنوثة حتى أن "أيمن" لم يستطع اخفاء إنبهاره بها وصار يقلب عينيه في اندهاش، هو معجب بها يعجبه برائتها و وجهها الذي يفضح ما بداخلها، عينيها الواسعتين تخفيان حزنا عميق يجعله يتوق لمعرفة أسراره، شعرها الكيرلي القصير يظهر رقبتها الجميلة، قصر قامتها يجعلها كطفلة علي هيئة امرأة.

**عذبة أنت كالطفولة كالأحلام كاللحن كالصباح الجديد**

لم يقل شيئا، وقف على السجادة، تناولت "ذات" عباءة و صليا و بعد أن انتهيا قال لها:( إذا كنتِ جائعة فهنالك طعام في الثلاجة..) و نام علي الأريكة تاركا لها السرير لتأخذ راحتها عليه.
في الصباح، أخبرها أنهما سيسافرا لقضاء شهر العسل خارج البلاد سألها إذا كان هذا سيناسبها، ردت بسؤال: ( ماذا كنت تقصد ليله أمس أنك لم تستطع ..)
أجاب مرتبكا:( لا لا شيء لا تفكري بشيء، إذا لم تكوني تنوين السفر فلا بأس لن نسافر)
ردت بلهجة مغتضبة:( لا أريد)، رد "أيمن" بهدوء : ( حسنا، لن أضغط عليك، متى أردتي السفر سنسافر و إذا أردتي أي شيء فقط أطلبي )
مضى أسبوع على العرس و "أيمن" كان صبورا معها يعاملها أحسن معاملة يسألها إذا كانت تحتاج شيئا يقوم بخدمتها ولا يدعها تفعل شيئا، احيانا يحاول فتح مواضيع فقط لتتكلم وليخرجها من انعزالها، كانت "ذات" تتصنع بأنها بخير، تحاول أن تكون طبيعية ولكن كوابيسها لم ترحمها ليلا، تحلم دائما بـ"الماحي" وهو ينقض عليها لتستفيق مذعورة و جسدها مبلل بالعرق، ترتجف لا إراديا, كان "أيمن" يراقبها و يصحى بصوتها المكبوت ليأتي لها بالماء و يقرأ على رأسها بعض الأيات و يرجع لأريكته ليواصل نومه.
لم تقهم "ذات" لماذا لم يقترب منها مع أن هذا يريحها في الوقت الحالي و لماذا يتصرف معها بكل هذه الحنية ولماذا هو صبور هكذا، مع أنها تكره الرجال ولكنها احترمت "أيمن" على موقفه هذا.

.....

ذاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن