(7)"ذات" بعمر 15 عام

17 1 0
                                    


ثلاثة أيام مرت ولم يظهر "الماحي" ، زاد قلق "طيبة" عليه، بينما لم يكترث "حمزة"و "حسين" على خالهم العصبي شديد الغضب، أما "منى" جعلت تدعي في سرها أن لا يعود فإنها لا تطيقه و تكرهه منذ أن كانت ابنة أربعة سنوات.
تدري أن معاملته تجاه اخوتها سيئة، ولكنها تكرهه أكثر من اخوتها وهو أيضا لا يطيقها و دائما يفتعل معها المشكلات لضربها.

أما "ذات" فكانت في عالم آخر، كأنها رجعت لحالتها تلك منعزلة و صامتة و لا تأكل. انتكست بعد أن ظنت أن الحياة ستلين عليها قليلا.
صارت تكرر في نفسها (إني مجرمة -منظر الدم يصيبها بالجنون- ولكن هو يستحق ذلك، هو من اضطررني على فعل ذلك، لم يكن لدي خيار، لم أكن أنوي فعلها، أنا لست مجرمة، أنا لم أصرخ في احد يوما، لم أضايق احدا ولم تخرج مني كلمة ازعجت احدا.)

تعجبت "طيبة" لأمر بنتها المتقلب، لولا طبعها الإنطوائي و عناد شخصيتها الصامتة لشكّت أن هناك أمرا ما اصاب ابنتها. ولكن لطالما كانت "ذات" مصدر لغز لأمها التي لم تفهم ما تفكر به ابنتها، هي تشبهها عندما كانت صغيرة في ملامحها و طباعها ولكن "ذات" أكثر انعزالا عن العالم، و أكثر صمتاً.
بقيت "ذات" على ذلك الحال حتى ظهرت نتائج الإمتحانات، احرزت "ذات" المرتبة الثانية" على المدرسة، ثاني أكبر مجموع بعد "شريفة". لم تصدق امها الخبر، و اطلقت زغرودة هاج كل من كان داخل المدرسة طارت من الفرحة، و أخذت تقول (هذه بنتي هذه فلذة كبدي المتفوقة رفعت رأسي و ادخلت البهجة في قلبي)
"حسين" كان يتراقص أمام المعلمات في الفصل، "وزع "حمزة" الحلويات لزميلاتها وهو يغمز لهن فرحا، حضنت "منى" اختها بقوة و من خلفها صديقاتها، جرت "طيبة" نحو "ذات" امسكتها و رفعتها من الأرض حاضنة إيها كطفلة صغيرة.

وقفت "ذات" تراقب من حولها بصدمة تسمع التبريكات و التهاني تنهال عليها، تعالت أصوات المعلمات لتهنيء جميع المتفوقين. أصوات الزغاريد و الموسيقا في كل مكان .كانت المدرسة مليئة بأهل الممتحنين جاءوا للأحتفال.
صارن زميلات"ذات" يتغامزن و يلوّون أفواههن معترضات لأن "ذات" تفوقت عليهن، حتى "مآب" أتت تبارك متظاهرة بسعادتها المزيفة فترتيبها كان العاشر

.........

دخلت "ذات" عالم الثانوية حيث الفتيات المراهقات، تراقب حركاتهن ضحكاتهن تصرفاتهن المجنونة. اهتمامهن بأجسادهن، يضعن على وجوههن أدوات التجميل، يتشاركن أحاديثهن عن علاقتهن بالشباب. كانت مذهولة كأنها فضائية تستكشف كوكب فتيات الثانوية.
صارت تسمع قصص الحب و العلاقات أكثر.. وتعرف اشياء تخجل قولها..

شهِد جسدها الصغير تغيرات فهمتها امها أنها صارت فتاة راشدة عليها أن تتوخ الحذر إذا كلمها اي شاب، عليها ان تلف حجابها جيدا. و تنتبه لصلاتها، مع أن "طيبة" تعلم جيدا أن ابنتها تفعل ذلك أصلاً فهي لا ترفع صوتها و تمشي على استحياء ولا تفعل تلك الحركات التي يفعلها أقرانها.
كانت تنظر "ذات" لامها بشفقة كانت تريد أن تقول:
( أن الذي تخافين منه عليّ قد حصل، استباحوا بنتك يا امي، لقد ضاعت بنتك، وأنتِ لا تدرين، أتعلمين من يا امي! أتعلمين من الذئب الذي افترس الحمل الوديع يا أمي، الذئب الذي لم تستطيعي حمايتي منه كما فعلتي في الصحراء، أنه اخيك يا أمي، لم يكن يحنّ عليك لأجلك ولكن كان يمهد لمصلحته، أخيك انتهك عرضه و عرضك، الوحش الذي ظللت تطعمينه و تأوينه في بيتك لحمايتك و حماية صغارك سرق أعز ما تملك ابنتك، لم تعد ابنتك صغيرة يا أمي، قد شاخ قلبها، و امتلئت الندوب جسدها، ليتك تعلمين ما أقاسيه وحدي يا أمي لتطبطبي عليّ و لتحميني و لكن الأفضل أن لا تعرفي يا أمي، أخاف عليك من هذا الثقل، فحملك اثقل يا امي، لن تستطع أكتافك حمل المزيد من عناء الحياة، أخاف على صحتك، أخاف فقدك فأنتِ من نستند عليها فأنتِ عمودنا و غيمتنا و ظلنا الوحيد، انتِ أمنا و أبينا).
ظلت " ذات" تنظر لأمها وهي تنصحها لم تسمع أي كلمة قالتها فعقلها في مكان آخر، لم تتوقف "طيبة" عن الكلام حتى تفاجأت بحضن ابنتها و هي تبكي أمامها...
ظنت أن ابنتها خائفة من هذه التغيرات أو أن هرموناتها متقلبة، أفلتتها وهي تمسح دموع عينيها لتهدئها بأنها ستكون بخير لا داعي للخوف فهذا طبيعي و كلنا مررنا به. أومأت "ذات" بالقبول و رجعت لتحضنها مرة اخرى.

ذاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن