(6) "ذات" بعمر 14 عام

20 2 0
                                    

خلال شهورها الأولى في الصف الثامن انضمت فتاة من مدرسة أخرى الى فصلها و صارت تجلس بالقرب منها. كانت تسألها عن ما فاتها من دروس قبل مجيئها و تستفسر عن أشياء أثناء الحصص. فكرت "ذات" أنها صديقة محتملة ستفعل لها كل ما تريده حتى اذا لو انتهى بها المطاف لكتابة تمارينها و كتابة واجباتها، فـ"ذات" المسكينة تحتاج لصحبة تهون عليها ايامها في المدرسة وتخرجها من عزلتها.
لم تدري "ذات" أن "مآب" تستغلها ليس أكثر و أنها لا تكترث لصداقتها، فمن يصادق (غريبة الاطوار هذه) التي تتكلم بمفردها و تأكل بمفردها و "مودة" العملاقة تتفنن بضربها كل يوم أنها فتاة حمقاء وبلهاء فقيرة ليس أكثر.

مرت الأيام و "ذات" تتهرب من "الماحي" كلما تسنت له الفرصة أن يختلي بها، تتظاهر بمساعدة امها في الخياطة لتلتصق بها طيلة الوقت، أو تهرب خارج المنزل تتحج بأن صديقتها "مآب" تريد رؤيتها أو تذهب للجيران أو حتى تمكث في بيت "غنية" للمساء.
لا تدري كيف ستوازن بين رغبتها في الدراسة لإبعاد "مودة" الشريرة و بين تهربها و خوفها و قلقها من "الماحي" لينقضّ عليها في أي لحظة.
طلبت من امها أن تقيم عند "غنية" لفترة من الزمن حتى تنتهي فترة الامتحانات، ولكن "طيبة" رفضت و استغربت من طلب ابنتها فهي لا تخرج من البيت كثيراً ولكن أصرت "ذات" للأمر و أن هذا لمصلحتها لكي تدرس جيدا فهذه أخر سنة لتكمل الإبتدائية و أنها سنة مهمة لكي تتحصل على أحسن مجموع لدخول الثانوية. ضغطت "ذات" لأول مرة على امها لتنفذ لها طلبها حتى وافقت.

في بيت "غنية" عاهدت "ذات" أن تدرس لتصل لهدفها، تدرس لكي لا يُتنمر عليها. تدرس ليكون لديها صديقات، تدرس ليتوقف أي احد الضحك عليها و علي فقرها، تدرس لترفع رأس امها و تجعلها فخورة بعد كل ذلك التعب و العناء، و ربما لتثبت لأبيها أن امها لم تُقصّر في تربيتها لم تهدر وقتا أو مجهوداً إلا و أنفقته عليها و على اخوتها.

مرت الشهور و "ذات" منكبة علي الدراسة، تحاول طرد الإفكار من رأسها، تحاول إلا تتذكر تلك التخيلات التي أصبحت أوضح كلما زاد وعي "ذات". كلما سمعت زميلاتها يتحدثن عن الحب و العلاقات و التحدث للأولاد تشعر بالإشمئزاز و القرف.
لم تفهم مدى إهتمام زميلاتها بمدرسة الأولاد للتعرف عليهم و تكوين علاقات.
فهي ترى أي ولد كأنه الخطر بحد عينه. خوفها من الرجال أكبر بكثير من رهابها من الناس.

مرت الفترة الأولى من الصف الثامن و "ذات" استطاعت أن تلفت نظر المعلمات بدرجاتها المتقدمة، فأصبحن يطلبن منها أن تجاوب على الأسئلة الصعبة خلال الدرس، ليصفقن لها و يمدحنها كما تمنت، حتى أن امها شجعتها لتواصل ما تفعله و تركز أكثر على المذاكرة، بعدما سمعت من المعلمات تقدم مستوى ابنتها الملحوظ حتى أنها طلبت منها أن تبقى عند "غنية" لآخر السنة إذا كان ذلك يناسبها.
زادت سعادة " ذات" بتبدل حالها للأحسن كأنها قد حققت هدفها. فإنها لم ترى "الماحي" لأشهر. و تتمنى أن لا تراه للأبد، فقط أرتفعت معنوياتها أكثر من ذي قبل. صارت معروفة في الفصل كأن زميلاتها قد اكتشفنها لتوهن، إلتففن حولها ليس لصحبتها ولكن لإستغلالها و سحب معلوماتها التي تعبت و سهرت من اجل أن تكون بهذا المستوى، إلا أن " مآب" صديقتها المزيفة قد سبقتهن على ذلك، فهنالك دوما من يغتنمون الفرص حالما تظهر لهم. فهذه اخر سنة لكي تثبت كل فتاة ما لديها محاولةً أن تكون أفضل من الأخريات.
هي كانت مضطربة نوعا ما من الأنفتاح الإجتماعي المفاجيء فهي لم تعهد ذلك مع أنها ترغب فيه، فلم تمانع بعضا من ثرثرة الزميلات على أمل أن يكن صديقاتها على الدوام. صارت تأكل معهن و يضحكن و يخرجن مع بعضهن آخر اليوم. احست "ذات" بأنها طبيعية و أنها ليست غريبة الأطوار كالسابق.

ذاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن