مقدمة

4.7K 78 10
                                    

تنويه: لمحبين الاستماع إلى الروايات، يتم تحويل الرواية إلى رواية صوتية على اليوتيوب.
ثورة صغيرة

سبحت الغرفة الكبيرة في إضاءة خافتة متلألئة، مضيفة جواً من الدفء والحميمية والراحة، وجهت لها المرأة التي تجلس قبالها نظرة ثاقبة من فوق النظارة الخاصة بها، ووضعت قلمها على الطاولة الصغيرة بجوارها، ثم شبكت أصابعها مُتحدثة بصوتها الرصين:

- "لنتحدث عن الاستقالة، أخبريني هل هي تمرد وحرية أم هروب؟".

تساءلت سالي بحيرة فلم يخطر على بالها أبداً هذا التعبير:

- "هروب من ماذا؟".

قالت المرأة بثبات وكأنها تتهمها:

- "من المسؤولية على سبيل المثال؟".

فكرت سالي وهي تجعد جبينها، وكأنه اتهام غير منطقي:

- "لم أهرب يومًا من المسؤولية، لطالما كنت شخصاً حريصاً على تأدية واجباته على قدر المستطاع، حتى لو عكس رغبتي".

سكتت قليلاً لتشحن أفكارها ثم أكملت:

- "ربما هي الحرية، ومُحاولة لبدأ حياة جديدة، لم أخبرك هذا الأمر من قبل، ولكن هذه أول مرة اتخذ قرارًا كبيرًا بنفسي، أول مرة أحاول فيها السيطرة على زمام الأمور في حياتي، حتى في مشاعري الخاصة، أريد أن أجازف وأتعدى حدود الخوف".

ختمت كلامها معترفة:

- "أريد أن أنتزع حريتي".

- "هل تستطيعين تحديد ما هي حريتك بالضبط؟".

فكرت سالي للحظات ثم اعترفت متنهدة:

- "حالياً لا أعلم، كل ما أعلمه أنه لا جديد في حياتي وهذا قيد في حد ذاته، أنا مجرد طبيبة تعمل باجتهاد وتنتظر الراتب من شهر إلى شهر، أقوم بواجباتي والتزاماتي دون تذمر، شخص لم يحقق أحلامه بقدر تحقيقه أحلام الآخرين، ولكن الآن لم تعد لدي الرغبة لأن أتقيد برغبات غيري، بل برغباتي أنا".

سكتت سالي ثم قالت بيأس شديد:

- "الوقت يمضي وأنا لم أصل يوماً إلى ما رغبت فيه بشدة، لم أشعر بهذا حتى عندما استلمت شهادتي الجامعية، استلمتها وأنا أشعر بأنها شهادة تبعدني عن نفسي أكثر فأكثر، ولكني دفنت تلك الأفكار حتى عادت للانفجار الآن، إلى حد لا أستطيع السيطرة عليها".

تأملتها صديقتها وطبيبتها النفسية لثوان وهي تدرسها، ثم قالت:

- "أعتقد أن تلك الاستقالة ربما تكون خطوة أولى لعلاج هذا القلق الوجودي الذي تعانين منه، يعني أن تفرضي قرارك ودستورك الخاص على حياتك".

ختمت المرأة حديثها وهي تعدل من أوراقها ثم سألتها بعدها بلحظات:

- "بما أن استقالتك ليست هروب، أخبريني كيف تشعرين حيالها؟ أعتقد أن لديك المزيد من الأفكار التي لم تطلقي سراحها".

الـمنزلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن