[رسالة واردة بتاريخ ؟؟/؟؟/؟؟؟؟
المرسل: مجهول
لم تردي على رسالتي الأخيرة، أتمنى أن يكون المانع خيراً].
***
في الساعة الواحدة ظهراً استلقت سالي على سريرها أخيراً بعد ثلاث ساعات من السفر، كانت والدتها وشقيقتها زينة في انتظارها ورحبوا بها ترحيباً حاراً وكأنها قد عادت من خارج البلاد، حكت سالي لهم تجربتها في المنزل الذي عاشت فيه لمدة شهر، قصت عليهم قصص الأطفال وحكاياتهم، وذكرت تفاصيل وتغاضت عن أخرى رغبة منها في الاحتفاظ بهذه التفاصيل لنفسها فقط، وكانت تقص حكاياتها ما بين تعجب من شقيقتها واستهجان من والدتها. تأملت السيدة سهام ابنتها وقالت بقلق:
"أنت شاحبة حقاً، هل ظهرك الآن بخير؟".
"نعم ماما لا تقلقي، سأقوم بعمل أشعة عليه حتى تطمئنوا جميعاً".
تنهدت المرأة قائلة:
"لقد خسرتِ وزناً أكثر من قبل، هل هذا وعدك لي؟".
لم تجد سالي التي تأكل ساندويتشاً رداً مناسباً على والدتها حتى تدخلت زينة قائلة بابتسامة ماكرة لعوبة:
"أخبريني عن مستر خالد، هل هو رجل وسيم؟".
دهشت سالي من سؤال شقيقتها المفاجئ وتمنت لو أنها اجابت على والدتها واستكملت حديث وزنها، نكزتها زين في ذراعها قائلة:
"هيا أخبريني؟ كم عمره؟ هل هو متزوج؟".
ابتسمت سالي بتوتر وقالت:
"زينة ما هذه الأسئلة؟ لماذا أهتم بتلك التفاصيل؟".
"هيا يا ليلو!". كانت أختها تناديها من حين إلى آخر بهذا اللقب.
نظرت سالي إليها مدعية الصرامة، التقطت كوب الشاي الخاص بها ونهضت قائلة:
"دعكِ من هذا الهراء، سأذهب إلى غرفتي لأرتاح قليلاً".
صاحت على باب غرفتها:
"لا تأتي وتزعجيني!".
تقلبت على السرير وكوب الشاي بين يدها وهي تفكر في أحداث الشهر الماضي، كان بالفعل شهراً واحداً ولكن أحداثه كانت أثقل من مدته، أغمضت عينيها وهي تسترجع أحداث هذا الشهر، وترسم صور خيالية لوجوه كل من كانوا في المنزل، الشخص الوحيد الذي لم تجد في ذاكرتها صورة له كان خالد، لم تكن له ملامح معينة مطبوعة في ذاكرتها، ربما لأنها لم تكن تواجهه دائماً أو تتعمد النظر إليه مباشرة، بل كانت تتهرب من الاحتكاك به من الأساس. فكرت في الحديث الأخير الذي جمعها مع السيدة أنيسة، كلماتها كانت ملفوفة بالغموض، لكنها كانت تعرف جيداً ما تعنيه. سالي، بحسها الدقيق وقدرتها على قراءة ما بين السطور، شعرت بتلك النية المخفية، محاولة السيدة أنيسة أن تقرب خالد منها. تلك الفكرة وحدها كانت كافية لتزيد من اضطراب مشاعرها. في الواقع لم يكن سالي رؤية واضحة تجاه خالد، ربما لأنها قررت منذ زمن بعيد أن تغلق أبواب قلبها بإحكام. هناك جزء منها كان يخشى الاقتراب، خشيّ أن تتسلل مشاعر جديدة إلى قلبها المكسور، وتبعثر السكينة التي بنتها بصعوبة. كانت تشعر بالضياع، بطريقة دفعتها في بعض الأحيان القليلة للتفكير في الهروب، ولكن الأطفال، تذكرتهم وهي تشعر بالدفء في قلبها، لا تريد الرحيل عنهم، بل أرادت المزيد والمزيد من الوقت معهم. أقسمت في سرها عندما تذكرتهم شعر بمشاعر أذابت قلبها، مشاعر حلوة دافئة، ترافقها ذكريات مليئة بضحكاتهم ورائحتهم اللطيفة، وأحاديثهم المسلية الطريفة، حتى مشاكلهم وشقاوتهم، كل تلك المشاعر وقفت أمام خوفها كالحصن المنيع. ستعود إليهم، وكان هذا قراراها النهائي. بينما وهي مستغرقة في التفكير سمعت صوت طرق على الباب، أدركت فوراً أنها والدتها التي دخلت بهدوء، وجلست أمام سالي على السرير، ثم بدأت الحديث بصوت خافت:
أنت تقرأ
الـمنزل
Chick-Litفي عالم يعجّ بالصراعات والأحلام المحطمة، تقرر سالي، الطبيبة الشابة، أن تتخلى عن كل ما أنجزته في مسيرتها الأكادمية. خطوة جريئة تترك بها المستشفى خلفها، لا بحثًا عن الراحة بل عن شيء أعمق. تتقاطع خطواتها مع منزل كبير يحتضن أرواحًا صغيرة بلا أهل، تحت رع...