اليوم التالي صباحاً، أنهي الجميع الفطور، واستعد الأطفال للذهاب إلى المدرسة، ما عدا حسن المعاقب. كانت السيدة منى وسالي قد استعدتا للذهاب إلى مكتب الصحة، لتأخذ ماريا تطعيمها ضد شلل الأطفال، وكان من المفترض أن يصحبهما السائق ولكن خالد أصر على اصطحابهم، وبالفعل ركب خالد بجوار محمود، وسالي ومنى مع ماريا في الخلف. كانت الطفلة التي ترتدي قبعة صيفية وردية اللون تتلاءم مع لون بشرتها البيضاء تثير الشغب طوال الطريق، وأرادت الانتقال إلى الأمام وهي تحاول نطق أسم خالد، بينما كان محمود يثبت عينيه على سالي من المرآه أمامه، وبالفعل حققت ماريا العنيدة مرادها لتشتته عن النظر إلى سالي، وجلست على ساقيه بانتصار، فخفف قليلاً من سرعته خوفاً على الطفلة المشاغبة التي أمسكت عجلة القيادة بيديها الصغيرتين السمينتين، لكن خالد قطع شعورها بالانتصار، وحملها حتى لا تشتت محمود. نظرت إليه الطفلة بين يديه باستياء وعتاب، ولكن لم تمر دقائق، وأخذت تلوح بيديها للسيارات. راقبتها سالي بابتسامة، وشعرت أن قلبها يذوب من حلاوتها، لم تقابل في حياتها طفلة جميلة كماريا، على الرغم من كونها طبيبة أطفال، وتعاملت مع الكثير من الأطفال اللطفاء خفيفي الظل، إلا أن تلك الطفلة كانت مختلفة تماماً عن مرضاها الصغار. كانت تشع حيوية وجمال كالوردة النضرة، تذكرت والديها، وشعرت بالاستياء الشديد، كيف لهم أن يتخلوا عن هذا الملاك الجميل، نظرت إلى خالد وشكرته في سرها هو وأنيسة لأنهما أخذا قرار كفالتها، على هذه الطفلة أن تكبر بسعادة بين عائلة دافئة ومحبة، دون إلقائها في دور الأيتام، والله يعلم كيف سيكون مصيرها لو حدث ذلك، حمدت الله براحة أن هذا لم يحدث، وأن تلك الطفلة البريئة تضحك بسعادة بين ذراعي خالد أمامها.
لم يكن الطريق إلى مكتب الصحة طويلاً، ووصلوا في وقت قياسي، خرج خالد من السيارة، وسلم ماريا إلى السيدة منى، ولكن الطفلة رفضت وتشبثت به، وبعد الكثير من المحاولات الفاشلة لإقناعها بالذهاب إلى السيدة منى، قرر خالد أن يدخل بنفسه إلى مكتب الصحة، وبصفة سالي كطبيبة، كانت على علم بالإجراءات اللازمة داخل المكتب. وانتظروا جميعاً حتى يأتي دور الطفلة، وأثناء الانتظار كان محمود وسالي يدردشان، اعتذرت سالي:
"أعتذر مستر محمود، نسيت أمر الكتب تماماً".
"لا عليك أنا أيضاً لم يكن لدي الوقت الكافي لممارسة أي شيء، العمل هذه الأيام على قدم وساق".
دقق النظر إليها وسألها:
"أخبريني هل تأقلمت على المكان؟".
فكرت سالي قليلاً قبل أن تتحدث:
"نعم، ولكني أشعر أن الأمر غريب قليلاً، أن أعيش مع هذا العدد الكبير من الأطفال".
أومأ محمود برأسه، ثم نظر إلى خالد نظرة جانبية، ووجده يتحدث مع السيدة منى، فهمس وهو يضع يديه عليه شفتيه:
أنت تقرأ
الـمنزل
ChickLitفي عالم يعجّ بالصراعات والأحلام المحطمة، تقرر سالي، الطبيبة الشابة، أن تتخلى عن كل ما أنجزته في مسيرتها الأكادمية. خطوة جريئة تترك بها المستشفى خلفها، لا بحثًا عن الراحة بل عن شيء أعمق. تتقاطع خطواتها مع منزل كبير يحتضن أرواحًا صغيرة بلا أهل، تحت رع...