ستة عشر طفلاً
قضت سالي باقي يومها في غرفتها الجميلة، تأتيها الست ذكية بغدائها وعشاءها في أوقاتهم، ومضى الوقت وهي تفرغ حقيبتها وتنظم خزانة ملابسها، وغيرت قليلاً في شكل وترتيب غرفتها لتلائمها أكثر، والأهم من ذلك جلست تعيد ترتيب أفكارها، وتتخيل لقاءها بالأطفال وحجم المسؤولية التي تقع على عاتقها الآن، فمع ستة عشر طفلًا وطفلة الوضع لن يكون سهلًا بكل تأكيد.
تقلبت على سريرها الجديد والمريح، وهمست مُفكرة:
- "ستة عشر طفل، هذا عدد كبير حقاً".
كانت في الواقع مُندهشة من تقلبات القدر المُفاجئة، فمنذ أسبوعين فقط حسمت أمورها بعد الاستقالة، وخططت كيف سيكون شكل حياتها الجديدة، ورسمتها بطريقة لطالما تخيلتها، كان لديها الكثير من الأحلام التي راودتها وسعت في تحقيقها، وعندما خطت أول خطوة في طريقها جاءها هذا الاتصال القدري من مدير المستشفى دكتور "نوفل"، والذي عارضها في أمر استقالتها مُعارضة شديدة، ودبر لمنعها من هذا القرار، ويبدو أنه بالفعل نجح في ذلك، استرجعت سالي كلامه:
- "سالي، أنتِ تلميذة قديرة والأهم من ذلك ابنة عزيزة، أنا أحاول أن أجنبك الحياد عن الطريق، فأنت مُستقبل طبيبة ممتازة، لا يهم إن مشيتي ببطء أو تعثرت، ولكن دون أن تضلي الطريق، وهذا واجبي بصفتي رئيسك أن أوجهك وأساعدك في مثل هذه الأمور وأجنبك مثل هذه القرارات المتهورة".
في الواقع لم ترى أبدًا أن استقالتها كانت قرارًا متهورًا، بالعكس رأت أنه أهم وأنسب قرار اتخذته في حياتها وتحمست له جدًا، أما الآن تبدل الوضع، لا تعلم الآن كيف ستسير الأمور معها، أو كيف سيكون مستقبلها خاصة أنها لم تبتعد كثيراً عن طريقها المهني الذي كانت قد قررت بكل ثقة الابتعاد عنه، لكنها لا تنكر أنها شعرت في قرارة نفسها ببعض الأمل، خاصة في بيئة عمل مُختلفة، ربما كان ذلك ما تحتاجه، تغير البيئة، أو ممارسة مهنتها بطريقة مُختلفة عما اعتادت عليه، فرصة جديدة لاحت في الأفق ستخوض غمارها إن اعجبتها اكملت وإن لم تعجبها ترحل بكل بساطة، فقط شهر وكل شيء سيتضح، لكن للأسف الخوف ما زال حاضراً، التوتر لا يزال كما هو، والأرق تتمنى أن تتخلص منه، تغيرت حياتها ومازالت مُلتصقة بتلك المشاعر السلبية كما يلتصق الفأر بالمصيدة، نفضت أفكارها وتقلبت مُتنهدة على السرير، والتقطت هاتفها لتتصل بوالدتها، لم تمر ثانيتين، وسمعت الصوت المُتلهف، كانت والدتها الشخص الذي شجعها على قبول عرض دكتور "نوفل":
- "سالي كيف حالك، اتصلت بكِ عدة مرات، كيف سارت الأمور، أخبريني!".
ابتسمت سالي على الحماس المُنفجر من الهاتف:
- "أعتذر ماما، لم أنتبه للهاتف، الأمور بخير".
- "كيف هو المكان عندك؟".
أنت تقرأ
الـمنزل
ChickLitفي عالم يعجّ بالصراعات والأحلام المحطمة، تقرر سالي، الطبيبة الشابة، أن تتخلى عن كل ما أنجزته في مسيرتها الأكادمية. خطوة جريئة تترك بها المستشفى خلفها، لا بحثًا عن الراحة بل عن شيء أعمق. تتقاطع خطواتها مع منزل كبير يحتضن أرواحًا صغيرة بلا أهل، تحت رع...