الفصل الخامس

226 26 3
                                    

مكتبة

طرق محمود الباب، ودخل بعد أن أذن له خالد بصوت منخفض:

- "أدخل".

وجد رئيسه يجلس في الشرفة مستغرقًا في التصميم أمامه، كان شعره مبلول تتساقط منه قطرات الماء ويبدو أنه خرج للتو من الحمام. سأله محمود وهو يجلس على الأريكة مقابل الشرفة والرجل أمامه في مرمى البصر:

- "ما الذي يجعلك مستيقظاً في مثل هذا الوقت؟، ألا تنام أبداً؟".

تجاهل خالد سؤاله، ورد عليه بسؤال بنبرة هادئة دون أن يلتفت إليه:

- "لماذا تأخرت؟".

- "جلست أتحدث قليلاً مع الآنسة سالي".

أدار خالد رأسه وقال بلهجة ناعمة:

- "يبدو أنكما تحدثتما في أمور مهمة".

امتزجت لهجته بالقليل من السخرية، فاستند محمود على الأريكة وهو يقول بلهجة حاول جعلها غير مبالية:

- "كانت مجرد ثرثرة عن الكتب، هل هناك خطأ في ذلك؟".

رمقه خالد بنظرة غريبة، وردد كلمات محمود ونبرته ما زالت تحتفظ بنعومتها:

- "لا، لا خطأ في ذلك".

رسم خطاً مُنحنياً دون وعي بدلاً من رسم خط مستقيم، كان في الواقع مستغرقاً في أفكاره الخاصة، لكنه سرعان ما استعاد انتباهه وقال بوضوح:

- "أنبهك يا محمود ألا تضايق الموظفون في بيتي".

كانت لهجته عادية لمن لا يعرفه عن قرب، ولكن محمود لاحظ بعض الصرامة الخفية في هذه اللهجة التي يعرفها جيداً، فاستند براحة على الأريكة على الرغم من الضيق الذي شعر به بسبب هذا التحذير الذي نادراً ما يصدر من خالد، ولكنه مرر الأمر وقال وهو يحافظ على نبرة اللامبالاة الخاصة به:

- "أنت آخر شخص عليه أن يقلق مني، لست هذا النوع من الرجال، أنا رجل نبيل".

مدح محمود نفسه بفخر مما جلب الابتسامة إلى شفتي خالد. في الحقيقة لم يكن محمود مجرد مساعد لخالد، بل صديق ورفيق، حكاية صداقة بدأت منذ سنين، وهذا ما جعل لمحمود مكانة خاصة ليس عند خالد فقط، ولكن أيضاً في هذا المنزل، لذلك كان من الغريب على صديقه أن يتحدث بمثل هذا الجفاء. كان عقله في الواقع مقسوماً بين أمرين، ولكن بعد دقائق من حالة الصمت التي تعود عليها محمود مع هذا الرجل، سمعه ينهض بسلاسة وهو يقول مُتنهداً:

- "هل أحضرت التقارير؟".

التقط محمود التابلت الذي أحضره معه وفتحه وهو يعدل من جلسته قائلاً:

- "أنا لم أنم بسبب تلك التقارير، سآخذ علاوة نيابةً عن تعبي في جمع هذه المعلومات".

- "كف عن التذمر وأرني ما جمعته".

الـمنزلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن