كانت ملامح فرح مختلفة قليلاً عن تلك الطفلة المرحة التي رأتها سالي لأول مرة، الهالات السوداء البشعة تحيط بعيونها الجميلة، واليأس والندم يلمعان في مقلتيها، وكفيها الرقيقين يشكلان باتحادهما قبضة مرتعشة. أدركت سالي بسرعة السبب لوقوف فرح أمام غرفتها في مثل تلك الساعة، ودون أن تنبس ببنت شفة فتحت الباب وتنحت جانباً، فدخلت فرح بصمت تحت صوت إغلاق الباب وبعد أن تفحصت سالي الطرقة وتأكدت من عدم وجود أحد فيها. جلست المراهقة بصمت على السرير وأزاحت كمها لتُري معصمها للطبيبة الشابة التي جلست بجوارها وهي تتنهد وتمسك المعصم النحيف وتتفحصه بتركيز، وعندما تأكدت أن الفتاة لم تؤذ نفسها بشكل خطير عقمت الجروح الكثيرة والتي ستترك على المدى البعيد أثراً على جلدها الرقيق، ضمدته سالي بعناية، وبعد انتهائها تأملت فرح ذات الملامح الرقيقة، كان شعرها مبلولاً ولم يتم تجفيفه بصورة كاملة، فنهضت وسحبت منشفة من الدولاب وألقتها بخفة على شعر الفتاة وهي تقول:
- "استديري سأسرح لك شعرك".
جففت سالي شعر فرح ثم التقطت فرشاة الشعر الخاصة بها، وأمسكت الشعر الطويل الناعم بخفة لتسرحه، ولم تمض دقائق قليلة وتحركت شفتا سالي وهي تغني بصوت خافت:
[زينه.. زينة.. زينة.. زينه غالية علينا
زي ضي عينينا.. يا زينة.. يا زينة.. زينة.. زينة.. زينة
والله زينة والله تشتهيها العين
لولا خوفي من الله لأقطف الخدين
اللي نورهم خلا حر قلبي ضلة
والصحارا جنينه، زينه والله زينه].
قاطعتها فرح:
- "ما هذه الأغنية؟".
ابتسمت سالي والذكريات تعاودها:
- "أغنية من فيلم قديم، ماما تعودت أن تغنيها لأختي زينة وهي تسرح لها شعرها حتى لا تبكي".
قالت فرح بصوت خافت:
- "أغنية جميلة".
اتسعت ابتسامة سالي أكثر فأكثر:
- "كانت تنتابني الغيرة من أختي كلما رأيت ماما تغني لها تلك الأغنية، وفي يوم من الأيام ظللت أبكي طوال اليوم لأنه لا يوجد أغنية باسمي".
سألتها فرح وهي تضحك بخفة:
- "هل أنت لارا؟".
ضحكت سالي بتشبيه فرح لها بلارا المزاجية. سألتها فرح:
- "كم كان عمرك؟".
- "سبع سنين".
لم تفارق الابتسامة سالي وتتذكر تصرفها الطفولي:
أنت تقرأ
الـمنزل
ChickLitفي عالم يعجّ بالصراعات والأحلام المحطمة، تقرر سالي، الطبيبة الشابة، أن تتخلى عن كل ما أنجزته في مسيرتها الأكادمية. خطوة جريئة تترك بها المستشفى خلفها، لا بحثًا عن الراحة بل عن شيء أعمق. تتقاطع خطواتها مع منزل كبير يحتضن أرواحًا صغيرة بلا أهل، تحت رع...