الفصل الثالث

359 33 2
                                    

اللقاء الأول

في مُحيط غرفة العيادة عم صمت عميق، انحنى رأس سالي بتركيز وهي تمسك معصم فرح بقوة، تألمت الفتاة المراهقة التي يتم تعقيم جروحها وتضميدها بعناية، لم يكن هناك ولا جرح عميق، كلها جروح سطحية، ولكنها في النهاية جروح بفعل آلة حادة، كان قلب سالي يرتعد بعنف وبالكاد تتحكم في أعصاب يديها منذ رؤيتها لفرح، تلك الفتاة في السادسة عشر من عمرها تؤذي نفسها بالمشرط الجراحي! لماذا تفعل ذلك هل كانت مُقبلة على الانتحار؟ هل هي مُكتئبة أو تمر بحالات نفسية؟ كانت الأفكار والأسئلة الملحة تدور وتدور في عقل سالي الذي شعرت أنه سينفجر من التفكير، ولم تصل في النهاية إلى إجابة مُريحة، كل ما استنتجته الآن هو سبب باب العيادة المفتوح، هذه الفتاة تسللت وسرقت مشرط جراحي، انتفض قلبها وهي تتخيل لو كانت فرح قد ضغطت بقوة أكثر على معصمها، لكنا الآن في مُصيبة حقيقية. لم تتحدث سالي وهي تأخذ الإجراء الإسعافي، ولم ترفع رأسها حتى، ولكنها كانت تشعر بنظرات فرح المُسلطة عليها، كانت الفتاة متوترة بالإضافة إلى الألم الناتج عن قبضة سالي التي تشد على معصمها الرقيق، وتترقب رد فعل القادم بلا شك، لذلك سبقتها وتحدثت بصوت خافت:

- "دكتورة.. ".

لم ترد سالي عليها، فخرصت الفتاة ولم تكرر النداء مرةً أخرى حتى أنهت الطبيبة عملها وأطلقت معصمها. كانت الاثنتان تجلسان في مواجهة بعضهما البعض، سالي تحدق فيها بهدوء بارد وتشبك يديها المُرتعشتين كي لا تلاحظ فرح توترها، وفرح طأطأت وجهها إلى الأرض بخجل وتوتر، حتى قطع صوت سالي الصمت المُريب في الغرفة:

- "تحدثي".

ساد الصمت مرةً أخرى، ولم تجيب فرح التي تمسك بمعصمها، وأيضًا لم تكرر سالي كلامها، وبعد ثوانٍ تحدثت الفتاة بتلعثم:

- "لا تفهميني بصورة خاطئة، أنا.. أنا لم أكن أحاول الانتحار".

لم تجيب سالي عليها، فأكملت الفتاة بتوتر وتعلثم:

- "صدقيني.. أرجوك يا دكتورة، لا تخبري ماما".

سألتها سالي بريبة:

- "إذا لم يكن هذا انتحارًا، فماذا يكون؟".

صمتت الفتاة ولم تجيب على السؤال الصريح. كانت سالي في أقصى حالات الغضب، ولكنها منعت نفسها من الانفجار في وجه الفتاة، فتنهدت قائلة:

- "حسناً يا فرح، بما أنه ليس لديك إجابة على سؤالي، ففي هذه الحالة سأضطر لإخبار السيدة أنيسة، وهي ستتكشف السبب بنفسها".

امتقع وجه فرح وانتفضت:

- "لا!، سأخبرك بالسبب، ولكن لا تخبري ماما، أرجوك!".

لم ترد سالي مُنتظرة السبب، فتحدثت فرح وعينيها تتنقل بين سالي والأرض:

- "أصدقائي في المدرسة.. تعلمت ذلك منهم".

الـمنزلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن