الفصل الثامن عشر

191 23 8
                                    

[رسالة واردة بتاريخ ؟؟/؟؟/؟؟؟؟

المرسل: مجهول

أنا حقاً أشعر بالامتنان لك، ولرسائلك اللطيفة، والتي تبعث على الأمل. كل كلمة منك تمنحني دفعة إيجابية تجعلني أستمر وأرى الجانب المشرق حتى في أحلك الأوقات. رسالتك جعلتني أشعر بأنني لست وحدي في هذه الرحلة. لا أستطيع التعبير بما فيه الكفاية عن مدى تأثير كلماتك عليّ. أنت حقاً مصدر إلهام حقيقي].

***

كانت أنيسة تنتظر الرد من الدكتور رشدي على أحر من الجمر، ومرت نصف ساعة قبل أن يصلها الرد من الدكتور، وكان واضحًا من كلماته أنه يشعر بقلق عميق:

[ست أنيسة، أنت لا تعلمين كم كنت مستاءً اليوم وأنا أخالف ضميري المهني وأكذب على مستر خالد بخصوص صحتك. كان الأمر صعبًا للغاية].

قرأت أنيسة الرسالة وشعرت بوخز في قلبها، تدرك تمامًا أنها وضعت الدكتور في موقف لا يُحسد عليه، لكنها لم تجد خيارًا آخر. شعرت بالثقل الذي ازداد على كتفيها. فكتبت له ردًا سريعًا:

[أعلم يا دكتور، وأقدر موقفك. لكن خالد لا يمكنه تحمل الحقيقة الآن. إنه لا يزال شابًا، وأخشى عليه من الصدمة].

لم يمر وقت طويل حتى جاء الرد من الدكتور رشدي:

[ست أنيسة، أفهم مشاعرك، وأعلم أنك تريدين حماية خالد. لكن يجب أن تفكري في صحتك الآن. نحن بحاجة إلى بدء العلاج فورًا، ولا يمكننا تأجيل الأمر أكثر من ذلك].

شعرت أنيسة بقلق يتصاعد في صدرها. كانت تعرف أن الوقت يضيق، لكنها لم تكن مستعدة بعد لمواجهة الحقيقة. ردت بتردد:

[هل تعتقد أن العلاج يمكن أن ينجح؟].

توقف الدكتور رشدي للحظة قبل أن يجيب:

[لا أستطيع أن أعدك بشيء، لكن كلما بدأنا العلاج مبكرًا، كانت الفرص أفضل. يجب أن تأتي إلى المستشفى في أقرب وقت، وإلا سأضطر لإخبار مستر خالد].

تأملت أنيسة كلمات الطبيب، وهي تعلم أن القرار يجب أن يُتخذ الآن. لكنها لم تستطع التفكير إلا في خالد، وكيف سيؤثر ذلك عليه. كتبت بحزن:

[حسنًا، سأكون عندك في أقرب وقت. لكن أرجوك، لا تخبر خالد بعد].

أجاب الدكتور رشدي:

[سأفعل ما بوسعي، ست أنيسة. لكن عليك أن تجهزي نفسك لما هو قادم. سأكون هناك لدعمك، ولكن يجب أن تكوني قوية].

قرأت أنيسة الرسالة وهي تشعر بخليط من مشاعر القلق والخوف، كلها كانت موجهة إلى خالد، وليس إلى صحتها. لم تكن السيدة العجوز والتي تعيش أواخر سنوات عمرها حريصة على العيش لمدة أطول من التي عاشتها، فالعمر قد مضى أمام عينيها طويلاً بحلوه ومره، عاشت فيه بقدر ما عاشت وبقدر ما تحملت. كانت أنيسة تشعر بأن حياتها كانت مليئة بالتجارب، بعضها سعيدة والبعض الآخر مؤلم، لكنها كلها تركت بصماتها عليها. لم تكن تخاف الموت بقدر ما كانت تخشى على خالد. كيف سيستطيع ابنها المضي قدمًا دونها؟ هل سيكون قادرًا على تحمل الحياة ومسؤولية الأطفال بمفرده؟ هل ظلمته عندما حملته مسؤولية 15 عشر طفل وطفلة، وهو هو لايزال شاباً في منتصف الثلاثينات؟ فكرت المرأة وهي تشعر بالذنب الشديد تجاهه، وحاولت أن تبحث عن حل يمحو هذا الذنب عنها. وجاء على بالها فجأة طلب الوزارة بسحب الأطفال وتسليمهم إلى عائلات أخرى تريد التبني. لمعت تلك الفكرة بوضوح في عقلها، ولكن هذه المرة مالت كفة الذنب تجاه الأطفال الذي نشأوا في هذا المنزل، الذي صار بيتهم وملاذهم من العالم، كيف تخرجهم فجأة من دائرة الحماية والأمان، ليبدأوا من الصفر في مكان آخر؟ كان هذا في نظرها جناية في حق الأطفال، فمكانتهم لا تقل في قلبها عن مكانة خالد. كما أنهم صغار، صغار جداً ومساكين، وهي وخالد عائلتهم الوحيدة، كيف سيتأقلمون في مكان غير منزلهم مع أب وأم وعائلة غيرهم؟

الـمنزلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن