الفصل التاسع

194 24 9
                                    

بعد ليلة طويلة مليئة بالكوابيس التي راودت أيسل أثناء نومها وشرود البعض والتوعد من البض الآخر، أشرقت شمس الصباح حاملة معها أحداث مشوقة تتضمن حماس الأفاعي وتوعدهم لفريق الوحوش والتحدي من قبل مراد لاستعادة أيسل والتوقع والخوف من أفراد العائلة.
استيقظت أيسل صباحا على الساعة السابعة بملامحها التي تنافس الجليد في برودته ثم اتجهت نحو الحمام لتغتسل وتنعم بحمام صباحي دافئ عله ينعش جسدها ويبعد أثر الكوابيس عنها. وكعادتها بعد الانتهاء من الحمام تنسى أو تتناسى ملابسها على السرير وبينما هي تخرج منه مرتدية ثوب الاستحمام الأسود اصطدمت عيناها بعينا مراد التي التهمتها بشغف من أعلاها إلى أخمص قدميها بينما هي بادلت نظراته الشغوفة ببرود صقيعي ثم تقدمت نحو السرير تجلس على طرفه دون أن تتفوه بحرف، أما مراد فالبرغم من جفاء نظراتها وتجاهلها له إلا أنه لم يمنع اشتياقه لها والذي ترجمه لسانه بقوله مندفعا:
#مراد:" كعادتك لم تتغيري منذ صغرك دوما تتناسين ملابسك في غرفتك حتى اقتحم غرفتك لأجدك إما بالمتشفة أو ثوب الاستحمام أو .." أنهى كلامه بغمزة وقحة وبالطبع فهمت تلميحه ولا مانع من بعض التسلية الصباحية، قامت من مكانها ببرود ثم سحبت رباط الثوب لينفتح أمام عينيه المدهوشة لفعلتها الجريئة وفي ثانية جحظت عيونه بصدمة عند رؤية الثوب يسقط إمام عيناه التفت بسرعة موجها ظهره لها صارخا بها.
#مراد: تبا.. هل فقدتي عقلك
#أيسل ببرود: لا يذهب خيالك بعيدا فأنا ارتديت ملابسي قبل خروجي.. ثم أطلقت ضحكة تهكم متشدقة: كما قلت لكم سابقا لقد تغيرت ولم أعد كما كنت قبل لذا التزم حدودك وابتعد عن طريقي.
استدار مراد إليها بغضب شديد صارخا بها:
#مراد: كنت تتلاعبين بي.. لقد تغيرت تغير فيك كل شيء أصبحت باردة سيئة ومجرمة هل هذه الشخصية التي تفتخرين بها.
#أيسل ببرود: حقا.. شكرا على هذا المديح فهذه الشخصية تروق لي كثيرا.. والآن اعذرني فلدي ما أقوم به ولست متفرغة لتفاهاتك.. أنهت كلامها موجهة يدها نحو الباب كإشارة منها للخروج.
وهذا ما زاد من فورة غضبه ليتقدم منها بخطوة واحدة ممسكا بذراعها بقوة قائلا من بين أسنانه: تظنين بأنك بهذه الطريقة تبعديني عنك أنت واهمة.. أنا الشيطان إذا أردت الحصول على الشيء فإني سأحصل عليه لن تمنعيني عنك وعن ما أريده منك.. وهذا وعد مني.
أنهى كلامه ثم خرج من الغرفة صافقا الباب بقوة يكاد ينكسر كانكسار قلبها الذي كسره صاحبه في أمس الحاجة له.
_____________
العودة إلى الوراء (قبل ست سنوات):
_______

بعد مرور خمس سنوات من شد وجذب بين مراد وأيسل، بعد أن فرض رأيه عليها ولم تنضم إلى كلية الشرطة كما كانت تحلم.
اليوم هو اليوم الذي كان يحلم به كل من مراد وأيسل وتحقيق حلمهم في رباط وثيق يجمع بينهما ويقوي حبهما لبعضهما البعض، كانت تتألق في فستانها الذي يشبه فستان سندريلا فقد كان ضيق من عند الخصر ويتسع بعده إلى أسفل قدميها وكان عند الصدر باللون الأزرق الداكن ثم يتدرج لونه ليصبح أبيض في نهاية الفستان بأكمام تصل إلى مرفقها ومحتشم لا يظهر شيء عدا رقبتها التي تزينها قلادة من الألماس تتوسطها زهرة الأوركيد السوداء التي تعشقها، أما بالنسبة لشعرها فقد تركته كما هو منسرح عدا ضفيرتين أحكمتهما بمشبك فضي مرصع بالياقوت الرمادي الذي يعكس لون عيناها الرمادية الصافية مع حذاء زجاجي شفاف اللون فكانت أميرة بجمالها ورقتها.
أما من الناحية الثانية في غرفة مراد كان أبناء عمومته يلتفون حوله وهم يمزحون معه ويسخرون بكونه سيتزوج قبلهم في ذلك العمر مع تلك التي كاد أن يجن بسبب تصرفاتها التي كانت تصل به إلى أشد حالات غضبه كان يرتدي بذلة بيضاء تحتها قميص أبيض مائل إلى الرمادي وحذاء أسود وقد صفف شعره إلى الأعلى وزين معصمه بساعته الفضية المرصعة بالألماس الخالص، كان سعيدا جدا فاليوم سينال من تلك الشقية وسيروضها لكن تحت جناحه وسيطرته، تلك التي حرمت النوم عليه بسبب مقالبها وأفاعيلها، وخاصة إثارة غيرته بمرافقتها لذلك السمج كما يسميه إياد.
تسريع الأحداث
كان ينتظرها أسفل الدرج بفارغ الصبر، ولم يخب أمله فها هي تطل عليه بطلتها التي سلبت له وهي تعانق ذراع والدها من ناحية اليمين وجدها من الجهة اليسار فكانت وكأنها أميرة ستتوتج على عرشها عرش قلبه.
استلمها منهما وهو مبهور بها بينما هي كانت تبتسم بخجل وسعادة فهي أخيرا قد حصلت على عشقها بعد كفاحها للنيل منه ومن ليان. قام بتقبيل جبينها ويديها بابتسامة ساحرة عاشقة جعلت من ذلك الصغير ينتفض من مكانه.
الجد بابتسامة: لن أوصيك على أميرتي فهي غالية وأعلم بأنك ستصونها ولن تحزنها أبدا
مراد بثقة وابتسامة امتنان: أنا أعدك وسأحافظ عليها بروحي.
زياد بابتسامة وفخر: وأنا أثق بك.
وليته لم يعد ولم يحطم ثقتها به أكثر من ثقة الجميع.
كانت الحديقة مزينة بكل الألوان والبالونات والأزهار بمختلف ألوانها وكانت على مستوى  عالي من الرقي وقد حضر الحفلة جميع رجال الأعمال الكبار  وبعض إطارات الدولة والصحافة  التي أخذت تلتقط صور العروسين وهما يتجهان نحو طاولة المأذون والتي كانت مزينة بمفرش أبيض تزينه أشرطة حمراء ووردية وكان هناك كرسيين متجاورين مقابلا لكرسي المأذون
اجلس مراد أيسل في مكانها بعد أن أزاح لها الكرسي ثم جلس على كرسيه. بدأ المأذون بالقاء خطبته المشهورة ثم بدأ بسؤال العروسين:
المأذون: سيد مراد، هل تقبل بالآنسة أيسل زياد الألفي زوجة لك ورفيقة دربك في السراء والضراء
مراد بحماس وهو يمسك يدها: أقبل
المأذون: آنسة أيسل، هل تقبلين بالسيد مراد أحمد الألفي زوجا وشريكا لك في السراء والضراء
أيسل وهي تنظر لمراد بسعادة: أقبل
المأذون بابتسامة: بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير، بالرفاء والبنين. ثم قدم الدفتر للعريسين للتوقيع على العقد:
أمسكت أيسل بالقلم ووقعت وهي تطير من شدة الفرح، ثم أعطته لمراد الذي بادلها الابتسامة بابتسامة سعيدة وعاشقة وما كاد يمضي حتى انطفأت الأنوار وبدأت شاشة العرض التي كانت مجهزة سابقا لعرض ذكرياتهما كمفاجأة من أيسل لمراد بعرض تلك الصور التي قلبت حياة الجميع وبالأخص حياتها هي.
فقد كانت الصور عبارة عن مشاهد خادشة تعرض أيسل وهي عارية بين أحضان رجل لم يتبين ملامحه وهي تضحك ضحكات خليعة بصوتها الذي لن يخطأه أحد، صدم الجميع من هذا المشهد وألجمت جميع العائلة وأصبح الناس يتهامسون فيما بينهم عن العروس وعن العائلة التي تدعي الشرف كما يظنون هم.
أيسل بصدمة وارتجاف وهي تنظر إلى ملامح مراد الجامدة والخالية من المشاعر: أنت لا تصدق ذلك أليس كذلك، هذه لست أنا، لست أنا هذا كذب
كادت أن تمسك يده إلا أنها تلقت صفعة مفاجأة أسقطتها أرضا من شدة قوتها وبسبب صدمتها وكانت تلك اليد من يد ذلك الحبيب الذي كانت تضع كل أمالها به فهي لم تهتم حتى بالجميع وكل ما اهتمت له هو ورأيه، صفعتها الحياة بمن أحبت، حدقت به في ذهول وغامت عيناها بدموع تحمل كل المشاعر: ندم، خيبة أمل، احتقار، سخرية، يأس، حزن، ألم.. أما هو فلم يكن يرى أمامه سوى تلك الصور في ذهنه تعاد أمامه مرات عدة، انحنى ليصل لها ثم أمسكها من شعرها بقوة: أنت لا تستحقين اسم العائلة ولا حتى اسمي أنت مجرد عا.. خسارة فيك حبي وثقتي وثقة عائلتك، ثم أغمض عينيه وهو يخفي دموعه التي تكاد تتساقط، ثم نظر لها: ما الذي يوجد به ليعجبك ها، لماذا تخونين حبي لكي لمااااذذذذا
أما هي فكانت صامتة تنظر له بكل جمود وبرود، ثم تحدثت بسخرية مريرة: ربما لأنه أفضل منك، وأكملت بضخكة مجنونة: هههههههههه ربما لأنه أعطاني السعادة التي لم أحصل عليها منك، أو ربما لأنه وثق بي... هل تعلم أنا حقا أندم على ذلك اليوم الذي وقعت فيه بعشقك صدقني أنا أرى نتائج تهوري الآن أنت شخ... لم تكمل كلامها لأنها تلقت عدة صفعات متتالية من يد والدها أما هي فكانت تضحك بهستيريا وكأنها تتلقى مجرد دغدغات
مراد بجمود: عمي زياد، لا تفقد نفسك لأجل حقيرة لا تستحق ذلك.. ثم وجه كلامه لها باحتقار: أنت طالق..
أيسل وهي تنهض ببرود وتواجهه: هذا أفضل شيء قمت به وصدقني هذا اليوم لن أنساه أبدا وستندم على ذلك أنت ثم أشارت لجامعة العائلة التي كانت تنظر لها بتقزز وخاصة جدها الذي كانت تحبه أكثر من والده.
حملت شتات نفسها وفستانها وغادرت من القصر وهي تسمع صراخ والدتها التي تترجاها بأن تظل وهي تريد اللحاق بها لولا أن أمسكها زياد بعنف، أما بيجاد فكان في حالة لا يرثى لها وهو يرى نصفه الآخر يموت ببطء شديد حاول اللحاق بها لكن كان عمار عائق له هو وخالد الذان أخذا يجذبانه إلى الداخل ثم أفقداه وعيه؛ وقام أحمد بإنهاء ذلك العرس الذي تحول إلى عزاء بفضل قلوب سوداء لا يوجد رحمة بها.

كانت تسير في ذلك الظلام وهي تبكي بانهيار وأسى على حالها وعلى خيبة أملها في الجميع كانت دموعها تهطل كالشلال وهي تبكي بصوت عالي بكاء لو كان سمعه الجبل لتصدع وكأن الحياة مصرة على أن تصفعها مرات عدة، عندما كانت تمشي بلا وعي مرت على طريق فارغ خالي من الحياة لكن ما أثار رعبها تلك الضحكات التي توحي إلى وجود شباب سكارى، وما كادت أن تعود أدراجها حتى رآها أحدهم وصرخ بحماس ثمل أرعبها وهي تراهم ينظرون إليها نظرات تقول لها أنت ميتة الآن ايسل ماتت براءتها في ذلك اليوم الذي تم اغتصاب براءتها واغتصاب صوتها الذي أخرس من شدة صراخها طلبا للنجدة، صرخت بماما، بابا، بيجاد، جدي، ومرااد رغم ما فعله بها إلا أن تلك الطفلة كانت ما تزال تعتبره أمانها.
تركت كجثة هامدة تنزف من كل مكان وكانت تلك نهاية أيسل وولادة سيلا القاسية الباردة القاتلة والأفعى.
______العودة إلى الحاضر:
ازدادت ملامح أيسل قتامة وأصبحت كالجليد وفي عيناها وميض يخبرك بالشر الذي تنتويه للجميع وأولهم ذلك الذي كان يتبجح بكلام كان الأولى أن يلتزم به سابقا. اقتربت من مرآة غرفتها تتأمل نفسها وهي تبتسم ابتسامة ميتة ولم تلبث إلا ثانية وكانت قبضة يدها تهشم زجاجها لتتناثر دماءها مع فتات الزجاج. وفعلتها هذه إشارة إلى مصير أسود ينتظر الجميع.
_____

انتقام الأفاعي- A hell of a black Mambaحيث تعيش القصص. اكتشف الآن