الفصل الثالث - فضـول بـنكـهة الـمـوت

223 14 6
                                    


(٣)

كانت السماء محجوبة بسحب رمادية، كشِباك العنكبوت، بالكاد تتسلل من بينها أشعة الشمس، فينتشر النور في ذلك البيت من خلال

نافذة زجاجية، كانت النوافذ المجاورة تتلألأ في البعيد، والسماء كلما اقترب الوقت ازدادت ظلامًا، تعبث الرياح الهائجة بالأوراق

على هيئة دوامات تعترض الطرقات، وازداد الضباب حينئذ من حولي، لم أجرؤ على الاقتراب من النافذة أكثر حتى أنظر إلى

الشارع بوضوح، حتى قررت كسر الصمت والتقدم خطوة فخطوة إلى الأمام حتى هبت رياح قوية، راودني شعور خانق بالبرد،

ابتعدت وقررت جمع الأشياء المبعثرة، بالفعل أخذت أجمع في الأشياء التي تبعثرت حينما دفعت الصندوق على السرير من

مذكرات، وأوراق لأتخلص منهم وأضعهم في سلة المهملات هنا، وأخرى هناك حتى انتهيت من جمعهم، كانت توجد ورقة واحدة لم

ألتقطها بعد، كانت تلك الورقة حينما دفعت الصندوق تسللت منه، كأنها تعلم أنها من ستغير نظرتي تجاه الأوراق قبل أن ألقي بهم

في اللهب، تأرجحت لتنقذ البقية من الهلاك، كانت تعلم أنها ستغير مجرى حياتي، كانت تعلم أنني من سأختار مصيري بنفسي،

ولكن تلك المرة لمستقبل مجهول ولا يعلمه أحد، اقتربت من السلة كي أوقد النار، رأيت تلك الورقة، كانت هناك بجانب الوسادة،

كأنها مميزة عن غيرها، اقتربت منها لألقي بها داخل السلة، و حينما أمسكت بها شاهدت هاتفي الجوال بجوار الورقة على

السرير، كان المتصل "إدريس" الذي هاتفني طوال اليوم حينما علم من الطبيب أني غادرت، تركت الورقة، ضغطت على شاشة

الهاتف برفق لأسمع صوت صديقي وتجاهلت أمر الورقة، حينذاك قررت إعلان وجودي:

"إدريس".

فرد على الفور:

- جدتك عادت يا "عامر" أتسمعني؟؟ أرجوك تحدث إلي، أريد أن أعلم فقط أنك بخير، وإن كنت بخير لماذا لا تجيب على هاتفك كل هذه المدة؟

كنت في تلك اللحظة في عالم آخر، كنت سعيد للغاية، ثم عاود "إدريس" الحديث من جديد:

- "عامر" جدتك تريد أن تراك كي تطمئن عليك بنفسها.

تلعثم ثغري حينذاك، اكتفيت حينما لاحت شفتاي ابتسامة بعد أن عدت من غيبوبة الطمأنينة وأردفت:

- أخبرها أنني سآتي بأسرع ما يمكن لأرتمي بين أحضانها، لأقابل أجمل وأنبل امرأة خلقها الله.

أغلقت الخط و أنا أشكر الله سرًا و جهرًا في كل ثانية، الغريب في الأمر أنني نسيت أمر الصندوق وأمر تلك الورقة، أو ربما هي

أرض إيلاف (مُكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن