(1)
عند اقتراب بزوغ القمر وجدتُ المدينة مدفونة تحت سماء قرمزية، تتمدد في أجوائها شبكات وخيوط من دخان أسود، حينذاك بالتحديد
الطقس تحول، أصبح الطقس حاراً كما لو أن الشتاء قرر الانسحاب فجأة، ما سمح لروائح المجارير الصحية، القذرة والرطبة
بالصعود من فتحاتها، بدأت أتذكر كلمات جدتي الأخيرة واحدة تلو الأخرى و أكررها، عندما وصلت، أشعلت الأضواء، صعدت
الدرج، وما إن دلفت إلى غرفة جدتي، حتى أخذت أتأملها جيداً عكس كل مرة كنت أدخلها لأجلس بجانبها، تروي لي بعضاً من
قصص حب والديَّ، ثم استنشقت بعضاً من الهواء الرطب، أغلقت عيني حين ذاك حتى أراها هنا أو هناك تداعبني حتى باغتتني ريح
تحمل رائحة الريحان التي كانت تحبها، ثم لاحت شفتاي ابتسامة طفيفة:
- رحمكِ الله يا جدتي.
اقتربت من النافذة ورأيت الغرفة كيف يطويها ضياء الجحيم المنهمر من تلك السماء الملتهبة، تخيلتها هناك، كما روت لي، جاثية على
ركبتيها أمام الصندوق، تخيلتها تفتحه وتخرج أشيائه، تخيلتها تقرأ تلك الأوراق والمذكرات الملعونة، عندما ابتعدت عن النافذة، رأيت
سلة المهملات التي توجد بداخلها جميع أغراض جدتي حينما قررت أن أحرقها والتي كانت لوالديَّ، أخرجتها من السلة، وضعتها
على السرير، أخذت أنظر إليها، كانت الأوراق مرقمة وكان ينقصها رقم من بين الترتيب، نعم كانت هي التي طارت على وسادتي
عندما دفعت الصندوق لأحرقه، ثم التقطتها ووجدت بداخلها كلمة ظللت أتأملها كثيراً، عندما أعدت الترتيب أخيراً، أخذت أنظر إليها
وأجمع بينها، فهمت بعض الشيء ولكن كي أفهم وأعلم حقيقة السر الذي تحدثت عنه "جدتي" كان يجب أن أقرأ تلك المذكرة، أمسكت
بالمذكرة التي كانت لوالدتي، أخذت أقرأ ما فيها من معلومات، حتى شاهدت عنوان عن شيء يدعى "بوابة الشيطان"، ولكن اكتشفت
أنها كانت في كل جملة تترك لغزاً، كانت هناك رموز يبدو أنها منحوتة إغريقية، كأنها نقشت بمادة وليست بحبر، أسفل كل رمز كلمة
تتكون من حرفين وتلك الحروف تشبه الإنجليزية بعض الشيء، كأنها كانت تعلم أن أحدًا ما سيقرأ تلك المذكرة، ليكمل مسيرتها، كنت
كلما قرأت، أريد أن أعلم الكثير، ربما لأني خريج الكلية البحرية، لكن لا أدري أي شيء تحتويه تلك المذكرة، وعلى مَ تدل، كانت
الأفكار تأخذني بعيداً وتفرح بما يراودني من حيرة، كانت بمثابة كنز. حينئذ علمت بأول الأسرار؛ أن والدتي الباحثة الشهيرة "ياسمين
أنت تقرأ
أرض إيلاف (مُكتملة)
Misterio / Suspensoأن تفقد كل ما كان لديك من مؤن في الحياة التي بها تكتمل صفتك البشرية، كفقد الأهل، السند، الصديق، رفقة الطريق، كأنكَ شخص مُصاب بلعنات الحياة التي لا تنتهي, كلما حاولت فعل أي شيء تخاف أن تتكرر تلك المأساة مرة أخرى, ثم تلقي بك الأقدار بعيدًا عن كل الطرق...