الفصل الثامن - إتخاذ القرار

110 10 2
                                    


(1)

"إدريس"

في منتصف الظهيرة بالتحديد، تسربت أشعة الشمس من بين الغيوم المنتشرة التي خلفها الإعصار، وانتشت كالعادة رائحة المطر

 على الطرقات، تعكس ألوان السماء الرائعة على الطرقات كأنها مرايا يمشي فوقها المارة، أذكر أنني أثناء ذهابي إلى منزل

 "سامي" صديق والدي، أخذت أردد كلمات والدي مرارا وتكرارا حتى لا أنسى شيئاً مما نثره، حتى أنني من تكرار ما أنا فاعل كدت

 أصطدم بأعمدة الإضاءة مرة، و تبتلعني إحدى الفجوات المائية التي أحدثتها زخات المطر مرة أخرى، لولا قفزة بهلوانية في

 الهواء جعلتني أتخطى تلك الفجوة بنجاح، كنت أسير بخشوع، أنظر فقط أحياناً إلى أوجه البنايات و زحمة الناس في الشوارع كما

 لو كانوا حشد، كان منزل "سامي" يعتلي التل، متماهيا مع كساء الغيوم الحمراء، وظلال أشجار المنتزه تتموج من خلفي، الريح

 تعصف بالأغصان، وحفيف أوراقها كفحيح الأفاعي في الظلام، عندما اقتربت توقفت قبالة المدخل وتأملت الواجهة، استغربت حين

 رأيت أن ما من أضواء في كافة أرجاء الفيلا، حتى دفات النوافذ الكبرى مسدودة، حينئذ سمعت صوت زفير الكلاب خلف ظهري،

 خلف أسوار المنتزه وتتبع خطواتي، وقررت ألا أعيرهم انتباه، مشيت حتى التقيت بالبوابة الشاهقة ذات الطول الفارع ولونها

 الذهبي الخلاب، تتميز بالنقوش والزخارف المطبوعة باحتراف، طرقت البوابة بقبضتي ولم يأتني الجواب، طرقة أخرى، اثنتان،

 ثلاث حتى فتحت البوابة ذراعيها، كأنها تحتويني وتنتظرني بفارغ الصبر وابتلعتني، و دلفت بداخلها، ثم رأيت خيال مجهول، تقدم

 المجهول خطوة إلى الأمام دون أن تظهر تقاسيم وجهه، التي أخفتها سحابة من دخان السيجارة المائل إلى الأزرق، عرفته من

 الرداء الأسود واليد المغموسة في جيب السترة، عندما تقدم خطوة أخرى بدأت ملامح وجهه تظهر شيئاً فشيئاً، كان مظهره مهيباً

 و كئيباً، شعره أبيض، عيناه لون السماء، ونظراته ثاقبة كالدبوس، شكله كما توقعت أن يكون في أواخر الخمسينات مثل والدي،

 كانت يده تحمل مسدساً، ابتلعت ريقي بصعوبة، ثم أخفض العم "سامي" المسدس وأدار ظهره متجها إلى داخل القصر، وأشار إلي

 بالدخول، ركضت خلفه أنتظر أن يتفوه بكلمة لكنه لم يتحدث مطلقاً، بضع دقائق وتحدث وهو ينظر إلي بتلك النظرة الثاقبة مجدداً:

أرض إيلاف (مُكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن