الفصل الأول : حادثٌ مُفجِع

2.2K 101 133
                                    

أخذت ضحكاتنا تعلو وتزداد بينما نلهو ونطرب لأنغام الموسيقى الصاخبة ونحن نقود السيارة بسرعةٍ جنونية بُغية المرح.

« مينا ! خذ واحدة ! لمَ لا تجرّب؟! خائف؟ » قال كرم بينما يدني منّي علبة السجائر. هززت رأسي رافضًا بينما أُجيب :« شكرًا، لكنّي لا أحب التدخين. »

هزّ كرم كتفيه بلامبالاة وهو يُشعل سيجارته وينفث سحابة الدّخان من فمه. صحت به في قلق :« انتبه للطريق جيّدًا يا كرم ! » .

« ن.. نعم ، هدئ من السرعة قليلًا » علّق جورج بنبرة خافتة.

« لا تقلقا ، نحن في أيدي أمهر سائق في مصر كلّها » صاح سامح بينما ابتسم كرم وهو يرفع من صوت المذياع الذي استمرّ ببثّ الأغاني العالية. وترددّت قهقهاتنا في السيارة ونحن نتسامر سويّة في جُنح اللّيل.

وإذ فجأةً سكنت الأصوات وتلاشت الضحكات وانقطعت النغمات وتبدّد كل شيء، بغتةً استحال المكان حولي إلى سوادٍ قاتم، لا أرى ولا أسمع فيه شيئًا، احتضنتني الظلمة بحفاوةٍ شديدة، ورحبّت بي الآلام الفظيعة أيّما ترحيب، بينما شعرت أنّ رأسي سينفجر ممّا ألمّ به، أحسست بجسدي يُعصر وعظامي تتفتّتُ ببطء، بدأت أفقد الشعور تدريجيّا ثم غرقت في الظلام ولم أعي بعد ذلك شيئًا .

أغاني صاخبة، ضحكات مُجلجلة، صرخاتٌ مستنجدة دوت في أذنيّ ولهيبِ حارقٌ يلفح وجهي بقسوة، صرخت وصرخت حتى تمزّق حلقي، قاومت، وحاولت أن أهرب من تلك النيران المستعرة التي تقترب منّي رويدًا رويدًا وما من مفرّ! ما من مفرّ! كلُّ السبل مغلقة، و النيران تُحاوطني من كلّ جانب.

سمعت أصواتًا مألوفةً تناديني، تلفّتُّ يمنةٌ ويسرة علّي أصيب مصدر النداء. تسارعت نبضات قلبي وتنفسي بات أثقل وأصعب وأنا أصرخ بملء فمي :
« لا! لا! جورج ! كرم ! سامح ! »

ولكنّ صراخي الدامي لم يصلهم؛ حيث تلاشى بخفوت وابتلعته ألسنة اللّهب بضراوة مع أصدقائي الذين أُحرقوا حتى الموت ولم أعد أرى لهم أثرًا. أخذت النيران تدنو منّي حتى طالت قدماي وأنا أتألّم وأستغيث لعلّ أحدًا يُنجدني والنيران قد بدأت بالتهامي، وفجأةً سطع ضوءٌ قويّ أغشى عينيّ وشعرت أنّ أحدهم يسحبني بعيدًا، بعيدًا عن تلك النيران المضطرمة، فالتفتُّ سريعًا ولكن لم أرَ غير الفراغ... الفراغ...

-« نبضات القلب تتزايد بشكل سريع! ، تنفّسه بات أسرع! سيحتاج إلى حقنةٍ مهدئة بسرعة ! »

-« متى سيستيقظ؟ لقد مضى شهرّ بأكمله! »

-« لا تقلق سيدي، سنبذل ما بوسعنا حتى يستيقظ، لقد ارتفعت مؤشراته الحيويّة بشكلٍ ملحوظ، هذا يدلّ على استيقاظه بشكلٍ جزئي، هو يشعر بنا ولكنّه يحتاج
وقتًا. »

حين التقيتُكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن