الفصل الرّابع : اعتذارٌ

453 62 74
                                    

« مالي أراك شاردًا هكذا يا مينا؟ أهناك ما يشغلك؟ » خاطبني براء بنبرةٍ هادئة ونحن نجلس في ذات الحديقة التي بتنا نجتمع فيها.

التفتُّ له و لم أستطع كبح العبوس من الطفو على صفحة وجهي وأنا أُجيبه بكلّ أريحيّةٍ :« إنّهُ والدي! »

« مابه؟! أحدث له مكروه؟»

هززتُ رأسي نافيًا ونطقت قائلًا :« الأمرُ أنّ والدي لم يعُد يهتمّ لأمري بتاتًا، كلُّ ما يهمُّه الآن هو عمله ذاك وسمعته التي يحرص دائمًا على أن تظهر بأبهى صُورها بينما هي عكس ذلك تمامًا، وكلّما نصحتُه قابلني بالزّجر والتوبيخ ونعتي بأنّي ولدٌ عاقٌّ فاسدٌ لا يُحسن سوى اللّهو، أعلم أنّه يُحبّني لكن.. لكنّه... »

أرخى براء كفّ يده الدافئة على كتفي ورسم ابتسامةً وضّاءة على وجهه وهو يقول :
« مينا ! عليك أن تعذره يا عزيزي، قد يكون يمُرُّ بظروفٍ قاسيةٍ أنت لا تعلمها، قد تكون الحياة وهمومها قد أثقلت كاهله حتى بدا لك غير مهتمٍّ بك، بينما هو يعمل ويكدّ في هذه الحياة من أجلك، من أجل أن تعيش بسعادة، عليك أن تفهم هذا جيّدًا يا مينا، ثمّ إنّ والدك لو كان كما تقول من أنّ سمعته تُغاير حقيقته، لو كان كذلك، فهذا أمرٌ سيءٌ نعم، لكنّه مازال والدك، الذي كان السبب في وجودك في الحياة بعد الله، إن نصحته بأسلوبٍ مُهذّبٍ ولم يستجب، فأمره عائدٌ إلى الله، فهو سيحاسبه على أفعاله في هذه الدنيا، أمّا أنت فعليك طاعتُه في كلّ الأمور إلّا إذا أمرك بما يُغضب الله فهنا وجب عليك مُفارقتُه، وإلّا فأنت تحت طوعه وإرادته، عليك بذل كلّ ما لديك لتسعده يا مينا »

لم أملك إلّا إن أُطالعه بذهولٍ وأنا أُلقي عليه سؤالي :
« كيف تعرف كلّ هذا يا براء؟! كيف تعلم كلّ تلك الأمور؟! »

تنهّد براء بينما تتلقّفُ نسماتُ الهواء الباردة خُصلات شعره الكستنائيّ وهو يقول :« أنا كشخصٍ أتبّعُ ما أمرني الله به يا مينا، لا أعيش في هذه الحياة بلا هدف ولا غاية، غايتنا التي خلقنا الله عزوجل من أجلها هي العبادة، ولابدّ أنّك تعرفُ ذلك، من أجل ذلك يا مينا أنزل الله لنا منهاجًا وكتابًا نسيرُ عليه ونهتدي به، وفي هذا المنهاج كلُّ ما نحتاج معرفته في حياتنا »

« كلامُك صحيحٌ يا براء »

أومأتُ بهدوء وقد بدأ أمرُ ذلك الدين يشغلُ بالي حقًا، ولم أستطع منع نفسي من التفكير فيه.

ظللتُ شاردًا بعض الوقت حتى سألني براء :« سمعتُ أنّ متجرًا قريبًا من هنا يبيع بعض الملابس الجميلة بسعرٍ زهيد، ما رأيك يا صديقي؟ أتودّ إلقاء نظرة؟ »

ضحكتُ وأنا أحاوط كتفيه بذراعي قائلًا :« لمَ لا؟! يا براء العزيز؟! »

كان كلامي نابعًا من قلبي لبراء فبمرور الوقت صرتُ أميل للجلوسِ معه أكثر أوقاتي، وهو كذلك كان يفعلُ ذات الشيء معي حتى احتلّ براء مكانةً عزيزةً في قلبي.

حين التقيتُكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن