كل ما خطّطتُ له قد انهدم بتلك الكلمات التي خرجت من فيه والدي مُلقاةً بكلّ قسوةً وضراوة لتضرب بمشاعري عُرض الحائط، وأنا الذي ظننتُ أنّ والدي قد بدأ يفهمني! يالسُّخرية!
اكتفيتُ بالصمت؛ فقد تبيّن لي في الآونة الأخيرة أنّه خيرُ جليس لك حين يقسو عليك العالم. بعد قليلٍ كنتُ أقود السيّارة لمنزلي وقد جلس والدي بهدوء مُريب بجانبي، كنتُ غاضبًا جدًّا حدّ أنّي كنت أقبضُ بقبضتي على مقود القيادة بقوّة بالغة من شدّة حنقي، لمَ يتصرّفُ أبي بهذا الشكل؟! لمَ يُفسد عليّ فرحتي دائمًا؟! أيجدُ سعادتُه في ذلك؟! وما السرّ الذي يُحاول إبعادي عنه بتلك الاستماتة؟! ما هو الإسلام؟! ما الذي يثير غضب والدي فيه؟! ما الذي يحتوي عليه ذلك الدين العجيب؟! لمَ يثير غضب والدي؟
أوصلتُ والدي للمنزل وخرجتُ بعد أن اطمأننتُ عليه؛ رغم اعتلاء البدر لعرشه ورغم تلألئ النجوم على صفحة السماء القاتمة؛ إلا أنّي صمّمتُ على الخروج.
قُدت سيّارتي نحو مكتبة كتبٍ بسيطةٍ نوعًا ما إلّا أنّها تضمّ عددًا كبيرًا من مختلف الكتب - طبعًا بعدما أخبرتُ العمّ ريمون أنّي سأغيب عن العمل لعدّة أيام بسبب صحة والدي - وصلتُ للمكتبة و أخذتُ أتجوّلُ بين أرفُف الكتب وأروقتها حتى وجدتُ ضالّتي.
« المكتبةُ الإسلاميّة » غمغمتُ بينما أمرّر ناظري على تلك اللّافتة التي اعتلت أحد الأرفُف الكبيرة، شرعتُ أقلّب الكتب بين يدي برويّة حتى وقعت عيناي على كتابٍ لفت نظري وكان تمامًا ما أردتُه حيث عُنون بخطّ عريض :« ما هو الإسلام؟ »
اشتريتُ ذاك الكتاب وأخذت أُمرّر ناظري على بعض صفحاته ولكنّي انجذبت في القراءة كثيرًا ولم أشعر بنفسي، جلُّ ما شعرتُ به كان مزيجًا من الراحة والتطلّع لقراءة ذاك الكتاب أكثر، لا أعلم، ولكنّي كلّما قرأت كلّما وجدت إجاباتٍ لأسئلتي الكثيرة التي طالما دارت في خُلجي بحثًا عن إجابةٍ شافيةٍ. بعد نصف ساعةٍ تقريبًا أغلقت الكتاب وخرجت من المكتبة مُسرعًا عائدًا لبيتي بعد انتصاف اللّيل.
ولجتُ لمنزلي بهدوء واطمأننت على والدي ثم أخذتُ حمّاما سريعًا، توجّهت بعدها لسريري وارتميتُ عليه بإرهاق، وما هي إلا دقائق حتى حلّقت لعالمي المفضّل بعد يومٍ طويل ومتعب.
« هيا! هيا يا مينا! سنتأخّر! » صدح صوته الطفولي مناديًا عليّ بينما يهزّ معصمي بوتيرة سريعة بغية استعجالي.
« حسنا، حسنا يا أندرو، فقط اترك معصمي حتى أستطيع إرتداء ملابسي! » أجبتُه مُتبسّمًا بينما أُربّت على شعره البُندقيّ القاتم بحبّ.
تنهّد ببراءة مُعقّبًا :« حسنا سأعدّ لعشرة، وحينما أنتهي ستكون قد انتهيت »
ضحكتُ على طفوليّته وأسرعتُ بارتداء معطفي الأسود ثم هذّبتُ شعري سريعًا، وأمسكت بكفّه الصغير قائلًا :
« هيا بنا ! »

أنت تقرأ
حين التقيتُك
Espiritual🌿 الرواية حاصلة على المركز الثاني لفئة القصة القصيرة في مسابقة كأس الإبداع لعام 2023 ★ 🌿 فائزة بالمركز الثاني في مسابقةِ ريشٌ وحبر★ ﴿ طوالَ حياتي كنتُ موقنًا أنّ المرءَ يولدُ مرّةً واحدةً في الحياة إلى أن التقيتُه وأقسمُ أنّي حينها خرقتُ القوانين...