صداعٌ شديدٌ داهم رأسي حينما فتحتُ عيناي، قطّبتُ حاجباي وأنا أطالع المكان الذي تواجدتُ فيه مُحاولًا استيعاب ما حدث؛ فآخر شيء أتذكّره ذاك العراك الذي خضتُه، حاولتُ تحريك يداي إلاّ أنّها كانت مقيّدةً في الكرسي الذي كنتُ جالسًا عليه. جلت ببصري في المكان حيث كانت أشبه بغرفةٍ في سردابٍ مُقفل وبعيدٍ عن الأنظار؛ إذ أنّي لم أستطع سماع الأصوات الخارجية، كانت مجرد غرفةٍ مهجورة معزولة، فيها بعض الخردة. حاولت تحريك أصابع كفّي بحيث أصل لعقدة الحبل؛ علّي أستطيع حلّ وثاقي.
وبالفعل تمكّنت من الوصول لها، وأخذت أحرّك أصابعي بعشوائيةٍ محاولًا فكّ العقدة، ولكنّي توقّفتُ ما إن سمعت وقع أقدامٍ يقتربُ من الغرفة. وصل لمسمعي صوت التحام المفتاح مع قفل الباب ثم فُتح وقد ولج منه كاظم. بعد أن دخل أغلق الباب وراءه والتفت لي وقد اتسع شدقاه ليكشفا عن ابتسامةً مُريبة لم أطمئن لها.
« جيّدٌ أنّك استيقظت وحدك، ما رأيك أن نخوض حديثًا لطيفًا صغيرًا لن يأخذ من وقتك دقائق يا صديقي؟ »
خاطبني وهو يخطو في الغرفة بتمهّلٍ مُقتربًا منّي.ضممتُ قبضتي أحاول كبت غضبي وأنا أحادثه :« فكّ قيدي أولًا أيّها الجبان! »
خرجت منه ضحكةٌ خفيفة هازئةٌ وهو يجيبني :« أهكذا تتحدّثُ مع صديقك العزيز؟! هذا ليس من شيمك يا
مينا! »لم أستطع تمالك نفسي وصحت به قائلًا :« أنا لا أُصادق الأنذال أمثالك! فكّ قيدي الآن وإلاّ ندمت »
احتدّت نظراته وأردف بغضب واضح :« ستنفّذ مُرادي شئت أم أبيت! هذه غلطتك يا مينا! وعليك تصحيحها! وإلّا.... »
صمت واضعًا يده في جيبه، ثوانٍ حتى لمع نصل السكين أمام مرآي وقد ظهرت عليّ كلّ أمّارات الصدمة.
« سأضطرّ لإجبارك بالعنف ! وهذا ما لا أريد فعله بصديقي مينا ! »
« أنت جبان! وستظلّ جبانًا يا كاظم! هيا اقتلني! أفضّل أن أموت على أن أسير طوع كلامك! »
تبسّم في وجهي ناطقًا :« لا يهم! ثم إني لم أقل أنّي أودّ قتلك! فأنا أحتاجك حيًّا! أيًّا يكن، استمع لي جيّدًا !
محاكمة كريم ستكون الأسبوع القادم! إن ثبتت عليه تلك التهمة فسوف يحكم عليه بإحدى اثنين، السجن المؤبّد أو الإعدام شنقًا و__»« فليذهب إلى الجحيم! هذا جزاؤه! هو يستحقّ ذلك! »
« ستتنازل عن قضيّتك يا مينا شئت أم أبيت! وإلّا فلن أستطيع أن أضمن لك ما سيحصل لوالدك العزيز » عقّب كاظم وهو يبتسم بمكرٍ، فأجبته وقد انفلتت من بين شفتاي ضحكةٌ هازئة :« أتهدّدني؟! والدي؟! وما الذي تستطيع فعله لوالدي؟ إن فكّرت فقط في ذلك فسوف تندم أشدّ الندم على تفكيرك ذاك! »
« لستَ خائفًا إذًا ؟! أتخالني سأخاف تهديدك ذاك ؟! »
« افعل ما بدى لك! لن تستطيع مساس والدي بشيء مادمتُ حيًّا على قيد الحياة! أما القضية، فانسى ذلك، اُفضّل أن أُقتل على أن أتنازل عن حقّ أندرو! »
أنت تقرأ
حين التقيتُك
Spiritual🌿 الرواية حاصلة على المركز الثاني لفئة القصة القصيرة في مسابقة كأس الإبداع لعام 2023 ★ 🌿 فائزة بالمركز الثاني في مسابقةِ ريشٌ وحبر★ ﴿ طوالَ حياتي كنتُ موقنًا أنّ المرءَ يولدُ مرّةً واحدةً في الحياة إلى أن التقيتُه وأقسمُ أنّي حينها خرقتُ القوانين...