وقفت على عتبة باب منزلي متردّدًا من الدخول، تنفّستُ الصعداء وأقحمتُ المفتاح في قفل الباب مُديرًا إيّاه ثمّ دفعتُ الباب ودخلت بهدوء أخطو على أطراف أصابعي. لم أكد أكمل بضع خطوات حتى انتفضتُ وتجمّدتُ في مكاني فور سماعي لصوته الغاضب وهو يقترب منّي وقد خرج من المطبخ.
« وما الذي كنتُ تفعله حتى الفجر؟! »
ابتلعتُ ريقي وقد ارتعدت كلّ خليّة من خلايا جسدي خوفًا حينما لاحت لي سوداويّتيه التي تُشعُّ غضبًا. بدأت أعود للخلف تلقائيًّا وأنا أجيبه :« أبي، الأمر ليس كما تظنّ، لق__»
ما استطعت إكمال حديثي حينما أطلّ القلق من عينيه فور رؤيته لي عن كثب وهو يتساءل :« ما هذه الضمادات التي تعلو وجهك وكّفيك؟! هل أصابك
مكروه؟! »عجبًــــا ! ألم تكن تستعدّ لتوبيخي توًّا ؟! حاولت منع الابتسامة التي تجاهد لتعلو وجهي وأنا أجيبه :« إنّ.. إنّه.. كاظم »
« كاظم؟! ذاك الشاب؟! ألم ننته من أمر ذلك الوغد وأخيه منذ زمن؟! لم تعاود ذكره على لسانك؟! » تساءل والدي بنبرةٍ حادّة.
« لقد تعرّض لي بالضرب هو و رفاقه، قد أراد إجباري على التنازل عن قضيّة أندرو و__»
قاطعني والدي بغضبٍ جليّ قائلًا :« ذاك الوغد! سأُريه! لن يرى النور مجدّدا لا هو ولا أخوه! و__»
« أبي... أ... لقد... لا أعلم إن كان على قيد الحياة أم لا فقد.. ط.. طعنته وأنا أدافع عن نفسي »
« قتلته؟! ما هذا يا مينا؟! كيف__»
لم أستطع تمالك نفسي حينها وصحت به وقد تملّكني الغضب :« كاد أن يقتلني يا أبي! كاد يفعلها! أكنت ستكون سعيدًا حينها؟! أكنت ستفرح! ربما كنت ستفعل ذلك! حتى تحافظ على سمعتك المُبجّلة أوليس كذلك؟! فليذهب أحبابك للجحيم فداءً لسمعتك! أستسعد إن بقيت وحيدًا ؟! أظنّ أنّك ستأنسُ بسمعتك، أولستُ محقًّا في كلامي؟! في البداية أمي ثم أندرو فجانيت ولن يطول الأمر حتى ألحق بهم وأحقق مرادك لتظلّ سعيدًا بسمعتك، أنا.... أنا.... أكر__»
بُهتّ وشُلّ لساني عمّا كان سيصوغه فور رؤيتي لوالدي وقد انحنى بغتةً وهو يقبض على صدره بألمٍ بادٍ على قسمات وجهه. إلهــي! لقد نسيتُ أنّ والدي مريضٌ! ما الذي كنتُ سأتفوّه به توًّا ؟!
هرعتُ له وأخذت أُحاول إجلاسه على الأريكة، بعد أن جلس عدوتُ نحو غرفته وجلبتُ دواء القلب وعدتُ إليه مُسرعًا بكوبٍ من الماء. وجدتُه على حاله يقبض على صدره وقد تجعّد لباسه بشدّة لفرط قبضه عليه.« أبي! اهدأ.. ستكون بخير، تناول دواءك، تفضّل »
رفع عيناه لي ولازلتُ أرى آثار الغضب في عينيه؛ فأحنيتُ رأسي وعلمتُ أنّي قد أخطأتُ. تقدّمتُ من والدي ولأوّل مرّة طبعتُ قبلةً على جبينه مردّدًا :« آسفٌ يا والدي الغالي »
تناول والدي دواءه بهدوء فأخذت كوب الماء منه ولم أبرح مكاني سوى بعد أن ارتأيتُ ملامح الاستكانة تلوح على وجهه، وابتدأ كفّه يرتخي عن موضع قلبه. فأسرعتُ بإعادة الكوب للمطبخ وعدتُ أجلس بين يديه وقد أحنيتُ رأسي وأخذت بكفّه أُقبّلها، ولا أعلمُ من أين أتيتُ بتلك التصرّفات؛ إذ لم تكن من صفاتي المعتادة بتاتًا. سحب والدي كفّه من بين يديّ وتمتم بصوتٍ مُتقطّعٍ لم يصل لغيري :« سأسجّل... محضرًا...بقسم الشرطة بشأن كاظم ذاك، إن كان حيًّا فلن... يُفلتُ... من بين... يديّ، وإن لم يكن كذلك فقد ارتحنا، زوّدني بالمعلومات غدًا »
![](https://img.wattpad.com/cover/349416999-288-k110355.jpg)
أنت تقرأ
حين التقيتُك
Espiritual🌿 الرواية حاصلة على المركز الثاني لفئة القصة القصيرة في مسابقة كأس الإبداع لعام 2023 ★ 🌿 فائزة بالمركز الثاني في مسابقةِ ريشٌ وحبر★ ﴿ طوالَ حياتي كنتُ موقنًا أنّ المرءَ يولدُ مرّةً واحدةً في الحياة إلى أن التقيتُه وأقسمُ أنّي حينها خرقتُ القوانين...