الفصل الخامس : انتكاسة

419 64 47
                                    

ارتعشت يداي وأنا أتحسّس نبض والدي بإصبعيّ، وفزعت عندما أحسست بنبضه بالكاد وأنفاسه كانت بطيئة متذبذة تتردّد في صدره. لم أُضع وقتًا أكثر من ذلك وانتفضتُ حاملًا إيّاه بكلّ طاقتي وهرعت به بسيّارتي للمشفى وقلبي يكاد ينهار من الخوف وهو مضطربٌ واجفٌ بالكاد يهدأ.

وحينما ظننتُ أنّ السعادة قد بدأت تلوح لي في الأفق، صفعتني الحياة صفعةً آلمت لي فؤادي وجرحته حدّ النزيف، وحينها اكتشفتُ مدى ضعفي وهُزالي.

جلستُ على أحد الكراسي التي تواجدت في ممرّ المشفى لما يُقرب الأبع ساعات ووالدي لا يزال في غرفة العناية المركزة، أرخيتُ رأسي بين ذراعي والذُّعرُ يتقاطر من فؤادي، ما بالهُ والدي؟! لقد كان بخيرٍ! أحينما بدأتُ أقتربُ منك يا والدي وددت الابتعاد عنّي؟! ألهذه الدّرجة تكرهني يا والدي؟!

وبغتةً قفزت على وجهي ابتسامةٌ شامتةٌ وأنا أستذكر براء، لقد فقد أُسرته كلّها وبدا مُتماسكًا كالصّخر! أين أنا منك يا براء! أنا حتى لا أستطيع ضبط نفسي إلّا بعدما يفوت الأوان! لا أستطيع أن أتظاهر بالصُّمود والثّبات بينما أنا منكسرٌ ضعيفٌ هُشٌّ في داخلي! فيا تُرى! أتتظاهرُ ذلك يا براء؟! أم تُراك قد استطعت ترميم قلبك المكسور وكفكفة دموعه لتصمد وتكون شامخًا قويًّا أمام أيًّا ما يكون قد أصابك؟ ما السرُّ! ما سرُّك يا براء؟!
وعلى ذكره! كنت قد نسيت أنّي مُتواجدٌ الآن في نفس المشفى التي يعمل فيها، أي هي نفسُها التي كنت أُعالَج فيها، هي نفسُها التي فقدتُ فيها أصدقائي! هي نُفسُها التي فقدُت فيها أخي! فهل سأفقدُك أنت أيضًا يا أبي؟! هذا كثير! هذا كثيرٌ على قلبي المكلوم! أرجو ألّا ألقاه الآن، فليست لدي الجُرأة للُقياه الآن أبدا.

وصل لأُذناي صوتُ فتح باب الغرفة ليخرُج منه شخصٌ عريض المنكبين يرتدي زيّ الأطبّاء الأبيض المُعتاد، ويتّخذُ خطواته نحوي ببطء وهو ينده :« سيد مينا! دقيقةٌ من فضلك! »

انتفضتُ راكضًا نحوه وقد صار خافقي يطرُق صدري طرقًا خوفًا ممّا سيُلقيه الطبيب على مسمعي من أخبار.

« أيّها الطبيب.... من فضلك... والدي!.. هل... هل هو.. بخير؟! »

تبسّم ابتسامةً بسيطةً، وعلى ما أظنّ حين رأى الطبيب مطلعي البائس تظاهر بتلك البسمة الباهتة وهو يُجيبني :« سيد مينا، لقد أجرينا جراحة قلبٍ مفتوح لوالدك؛ فقد أُصيب بانسداد في أحد الشرايين التاجيّة، وبفضل الله لقد أتيت به في الوقت المناسب، لو تأخّرت قليلًا كُنّا سنفقدُه، أحبّ أن أُطمئنك على استقرار حالة والدك حاليًّا، لكنّه سيحتاج للبقاء هنا لعدّة أيام، ثم بعد ذلك يستطيع العودة للمنزل ولكن عليك حينئذّ العنايةُ به جيّدًا، إذ أنّه سيحتاج وقتًا للتعافي، بالإضافة إلى.... »

صمت الطبيب ليعود القلق ليتلبّسني وأنا أستحثُّه على الإكمال :« إلى ماذا أيّها الطبيب؟! أكمل أرجوك! »

حين التقيتُكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن