في المساء كان "أرسّلان" و عمه "ضياء" وخطيبته "رُقية" التي تكون إبنة "ضياء" جالسون على مائدة الطعام ينتظرون العشاء، لينادي على أحد الحراسّ، يخبرهم بأن ينادون على "عامر" و "سالي" حتى يتناولون العشاء، يذهب الحارس في طريقه بينما تنظر "رُقية" إلى الحارس باستغراب كما تفعل إلى "أرسّلان" لتحدثه بابتسامة مصطنعة:
-ألا ترى بأن قلبك طيب جدًا يا "أرسّلان"؟ أرى بأنك تعطي مجرد خادمة وقريبها أكثر من حقهم، هل سيتناولون العشاء معنا على المائدة بالفعل؟؟ بدلاً من تناولهم مع الخَدم؟
يضغط" أرسّلان " على أسنانه بغضب، فهو بالفعل لا يحب "رُقية" أبدًا، فهو يخطبها بالغصب بسبب عمه، ليحدّثها محاولاً تمثيل اللطافة حتى لا يحرجها:
- إنها ليست خادمتي ! إنها مُساعدتي، فهي تختلف تمامًا عن بقية الخدم الموجودين هُنا، فهي ستفيدني بشكل مُميز أكثر، لذلك لا أحب أبدًا من الأشخاص أن يسيئوا إلى أحدًا ما أنا أقدّره !
ابتسمت "رُقية" بغضب قبل أن تردف إليه:
-أنا آسفة.نظر إليها أبيها بحقد، ثم ينظر إلى "أرسّلان":
- أرجوك لا تغضب منها يا بُني، فأنتَ تعلم بأنها مازالت ذات عقل صغير.
لم يردف إليه" أرسّلان " حتى أتوا "عامر" و "سالي".
عندما رآى" عامر" طاولة الطعام الموجود بها جميع أنواع الأكلات جلس سريعًا على المقعد بينما تنظر إليه "سالي" بإحراج، جلست بهدوء بجانب "عامر" وهي تحدّثه بهمس:
- لا تفتعل أمور سخيفة ياغبيّ !
كانوا طوال الجلسة ينظر "ضياء" إلى "سالي" بحقد وغضب لدِفاع "أرسّلان" عنها، كانت تلاحظ "سالي" تلك النظرات فكانت تنظر إليه بابتسامة مستفزة حتى تغضبه أكثر وأكثر.
بعد تناول العشاء ذهب كل منهم إلى غرفته، كانت طوال الليل جالسة "سالي" تستعيد في ذاكرتها كلماته وهو يخبرها ألا تقع في حبه ! كانت تتمشى في غرفتها بسعادة وهي تردد "أنا بالفعل أحبك يا أرسّلان، فأنت فتى أحلامي!"
قطع حديثها هذا صوت عزف يأتي من غرفة "أرسّلان" خرجت من غرفتها وهي تمشي ببطء حتى لا يسمعها أحد، توجهت نحو غرفته لتجد الباب مغلق، تنزل برأسها إلى الأسفل نحو الفتحة الموجودة بمقبض الباب تنظر إليه، لتجده جالسًا على ألة البيانو يعزف بكل مثالية، وكأنه فنان متمكن، ظلت تستمع إليه وتراه وهو يعزف والإبتسامة على ثغرها لا تختفي، تتحول تلك الإبتسامة إلى ذعر وخوف عندما تشعر بيد شخص ما تربت على كتفها، تعتدل في وقفت وتنظر خلفها لتجدها "رُقية"، ظلت مصدومة لتتحدث" رُقية " بجمود:
-ماذا تفعلين؟؟
تلعثمت "سالي" وهي تردف إليه:
-أ....
قطعت "رُقية" حديثها وهي تردف إليها:
- إستمعي إليّ جيدًا ! أرجوكِ لا تفهمين الأمير بشكل خاطئ بسبب أنه جعلك تمكثين هُنا ! هو فقط فعل ذلك لأجل أنه سيستفيد منكِ، ولكن بعدما تنتهي تلك الإستفادة سيرمي بكِ أنتِ وقريبك إلى الخارج، لذلك لا ترتفعي بسقف طموحاتك ولا تتعدي حدودك، حتى لا تقعي أرضًا على فاجأة، وينتهي بكِ المطاف ميتة !
ظلت "سالي" تنظر إليها بصدمة، ولكنها تفيق من شرودها بعدما تتركها "رُقية" وتذهب، ذهبت "سالي" إلى غرفتها ويتملك منها شعور الغرابة والحيرة، فهي عندما كتبت مواصفات "رُقية" بالرواية، كتبتها فتاة لطيفة وطيبة القلب وجميلة، لماذا إذًا تبيّن لها بأن "رُقية" ليس إلا مهووسة ب "أرسّلان" وفتاة شريرة ؟ من خلال تهديداتها لها، أيعقّل بأن كل شيء تغيّر حين قدومها حتى صِفات الشخصيات؟؟
ذهبت إلى غرفتها بخطوات ثقيلة، ترتمي بجسدها على الفراش وتسحب عليها الغطاء، ثم تثبت في نومٌ عميق.
استيقظت من نومها على شعاع الشمس الدافئ، تذهب إلى المرحاض الصغير الموجود في غرفتها تأخذ حمامًا ساخنًا، ثم تفتح خزانة الملابس العملاقة الموجودة بالغرفة، تمسك بفستان أسود طويل ذات أكمام واسعة طويلة، أعجبت بتصميم الفُستان فارتدته على الفور وبدأت بتنشيف شعرها وتمشيطه، ثم وجدت في أدراك المرآة بعض مساحيق التجميل القليلة، ولكنهم كانوا موضوعين في عِلب كلاسيكية للغاية، بدأت في وضع القليل منهم، ثم قبل أن تنزل إلى الأسفل مرّت على غرفة "عامر" ولكنها لم تجده، ظنت بأنه بالفعل نزل إلى الأسفل، توجهت نحو الأسفل تبحث عنه ولكنها لم تجده، تجد فقط "أرسّلان" يجلس بمنتصف القصر يحتسي كوب من القهوة، تلقي عليه السلام ثم تتسائل عن "عامر" أخبرها بأنه لم يراه منذ ليلة الأمس، كانت ستذهب ولكنه نادى عليها، لتسأله بخجل:
-نعم ياسيّدي؟
-إجلسي.
جلست أمامه بهدوء بفستانها الأسود البسيط وشعر البُنيّ، ينظر إليها قبل أن يشرد لثوانٍ ثم يتحدث مسرعًا:
-هل تأقلمتي على القصر؟؟
جاوبته وهي تنظر حولها:
-قليلاً، ولكن مع الوقت سأعتاد أكثر.
اومأ برأسه في صمت لتحدّثه هي بابتسامة خفيفة:
- سيّدي أريد أبدي إعجابي الشديد بعزفك على البيانو ! إنه حقًا رائع !
أمال برأسه قليلاً وهو يجاوبها:
-حقًا؟ لقد إستمعتي لعزفي ليلة الأمس؟!
تلاشت إبتسامتها حين تذكّرت ماقالته لها "رُقية" ولكنه أجابته مسرعة:
-نعم.
-أشكركِ !
يسألها على الفور بهمس وهو ينظر إليها:
-هل يومٌ واحد كان يكفي لقراءة أفكار من حولي؟ هل عرفتِ نواياهم؟
صمت قليلاً وهي تخفض رأسها للأسفل، فهي بالطبع تعلم جميع نوايا من حوله، ولكنها لن تستطيع قول أي شيء عن "ضياء" فهو لن يصدقها بما إنه لطيف جدًا معه ولا يظهر له سوى الإهتمام والحُب الكاذب، حتى يستطيع الحصول على المدينة، نظرت إليه وهي تجاوبه:
-ليس بالتحديد !! فأنا سأحتاج بعض الوقت لأتأكد من نواياهم !
اومأ برأسه وهو يجاوبها:
- بالطبع، خذي وقتك.
في ظل حديثهم دخل "عامر" إلى القصر لتقف "سالي" حين رآته لتسأله بفضول:
-أين كُنت؟
-لقد كنت بالخارج أبحث عن شيءٌ ما.
علمت على الفور بأنه كان يبحث عن الألة، إستأذنت من "أرسّلان" وسحبت "عامر" من ذراعه إلى الخارج:
-هل أنتَ غبي؟ هل أنتَ تمشي للبحث عن ألة عملاقة؟ أهي دبوس؟ بالطبع إذا كانت بالمدينة كل تلك المدة كان أحدًا ما وجدها وبلّغ عنها !
تنهد "عامر" قبل أن يجاوبها:
-إذا لم تكن موجودة في المدينة، أين ستذهب؟ نحنُ يجب علينا العودة يا "سالي" !
قضمت شفتاها السفلية بغضب قبل أن تجاوبه:
-بالطبع سنعود ! سنعود وقتما يحين رحيلنا ! ألا تتذكر حديث العم "راشد"؟؟ أنا متيقنة بأن الألة ستعود، ولكن عندما ننتهي من شيءٌ ما لازلنا لا نعلم ماهو!
مسح" عامر" وجهه بـ حيرة ليردف إليها قبل أن يتركها ويغادر:
-لم أعُد أعلم شيء !
ظلت واقفة وحدها تُفكّر بالمصائب الذي ستظل تحلّ عليهم وهُم مازالوا هُنا، قطع شرودها صوت شاب من الخلف، تستغرب الصوت تلتفت لتراه شاب في الثلاثينات، ذو شعر أسود طويل قليلاً ووجه ذو فك حاد وملامح شريرة بعض الشيء، وعيون خبيثة، ليتحدث بصوته الخشن موجّه حديثه نحوها:
-مرحبًا أيتها الصغيرة الحسناء، أتمنى أن تكوني سعيدة بوجودك معنا ! فأنا أكون إبن أخ "ضياء" عمّ "أرسّلان" وهذا مايعني إنني إبن عم "أرسّلان" وأنا حارس "ضياء" الشخصي.
ظلت تنظر إليه "سالي" بصدمة، فهي علمت من هو، فهو "سلَّام" إبن عم "أرسّلان" و "رُقية" ولكنه والداه قد ماتوا، وتركوه لـ "ضياء" يعتني به مثل "أرسّلان" ولكن "ضياء" كان يعلم بأنه لن يأخذ منه منفعة كما سيأخذ من "أرسّلان" فكان يهينه ويعذبه منذ الصغر، وعندما كبر جعله حارسه الشخصي، ويده اليمنىٰ، يفعل له كل أموره السيئة، ويقتل له كل من يريد قتله، كان "سلَّام" زير نساء، كما أنه يحب "رُقية" ولكنه يعلم بأنها مُتيَّمة فقط بـ "أرسّلان" لذلك كان يومٌ بعد يوم يزداد كُرهه لـ "أرسّلان".
أنت تقرأ
مَدينة أرسّلان || رنَـا محمود.
Fantasyأحيانًا يرغمنا واقعنا المُر لأن نَلقي بأنفسنا في بحور الخيال، لتبحَر بِنا الرياح إلى أبَعد مدىٰ حيث -خط الأفق- ولكن ماذا إذا في لحظة واحدة بغتةً نجد أنفسنا بداخل هذا الخيال نعيشه واقعًا بكُل تفاصليه؟ هل سيكون مُمتع كما كان في مُخيّلتنا؟ أم إننا فَ...