في اليوم التالي نزلت "سالي" لتجد الجميع جالس، فكانت جاهزة للخروج، ليسألها "أرسّلان":
-إلى أين تذهبين؟
لتجاوبه" سالي" بإبتسامة:
-سأذهب لرؤية العم "راشد" حتى أطمئن عليه.
ليومأ لها "أرسّلان" بإبتسامة متبادلة، حتى يردف إليها "عامر" وهو يتقدم نحوها:
-سأأتي معكِ.
إستأذنت منهم وهي ترحل دون أن تجاوبه، ليستأذن هو الآخر وهو يركض ورائها، حين كانوا في طريقهم نحو منزل "راشد" كان طيلة الطريق "عامر" يحدّثها ويحاول إضحاكها ولكنها لا تجاوبه، حتى غضبت وهي تردف إليه:
- "عامر" توقف !
-تحدثي معي حتى أتوقف!
نظرت إليه بعدما توقفت عن المشي وهي تربّع يديها الإثنين:
-نعم؟ ماذا تريد.
-أنا آسف!
فكّت يديها وهي تبتلع ريقها بخجل، ثم جاوبته ببرود:
-حسنًا.
-أنا أفعل كل ذلك لأجلك يا "سالي" لأجلنا كُلَّانا ! حتى نستطيع العودة إلى عالمنا بسلام ! لا تأخذي أفعالي على أنها مضايقة لكِ أو فقط مشاغبة !
ظلت تنظر إليه "سالي" ثم إستكفت بأنها تومأ له برأسها، وصلوا إلى منزل "راشد" ليستقبلهم هو وزوجته بكل حُب ويخبروهم بأنهم إشتاقوا لهم، ليجلسون، ثم تجلس "سالي" بجانب "راشد" وهي تحدّثه بـ حيرة:
-أنا مُشتتة جدًا يا عمي، لا أعلم لماذا كل شيء يتغيّر ! حتى صِفات الشخصيات ! على سبيل المثال أتت لي أمس "رُقية" ظنت بأنني أريد أن أأخذ منها "أرسّلان" الذي لا يحبها أصلاً ! كما إنها صفعتني ! لا تعلم بأنني حتى وإذا أحبه فلا يمكننا أن نبقى معًا للأبد !
صُدم "عامر" عندما سمع بأن "رُقية" صفعتها، فغضب كثيرًا منها.
ليتنهد "راشد" طويلاً قبل ان يجاوبها بنبرة حنونه:
-لا تحزني يا إبنتي، سبق وقُلت لكِ بأن منذ قدومكم إلى هُنا كل شيء تغيَّر، وكل شيء سيتيغيّر بمرور الوقت، لذا خذي هذا بإعتبارك لإنك إذا لم تفعلي، قد تظلي تتلقين الصدمات والمفاجأت طيلة الوقت.
أومأت "سالي" برأسها وهي تجاوبه:
- حسنًا، ولكنني كم الوقت الذي احتاجه للتأقلم هنا ! فأنا حقًا كلما تقدّمت خطوة اشعر بالغُربة والضياع.
ليضيف "عامر" إلى حديثها قبل أن يرد "راشد" :
-وأنا أيضًا ! أشعر بالضياع بدون عزيزتي "چوليا"!
رمقه " راشد" بعيون مغلقتين قليلاً، كما نظرت إليه "سالي" باشمئزاز قبل أن تلقبّه بالمجنون ! ليهدئ "راشد" الوضع وهو يردف إليه:
-آه، تلك الألة، لا تيأس يابُني ستعثر عليها حتمًا ولكن ستظهر في الوقت المناسب !
ودّعوا "عامر" و "سالي" "راشد" و زوجته، وغادروا منزله، كانت طوال الطريق "سالي" صامتة وشاردة الذهن، ليحمحم "عامر" قبل أن يحدّثها:
- "سالي"؟ لماذا تتصرفين وكأنك وحدك في هذا العالم الغريب، فأنا أيضًا معكِ وعالق مثلي مثلك!
توقفت" سالي" وهي تنظر إليه بغضب:
-حقًا ؟ أنتَ معي؟ أنتَ ليس معي بتاتًا أنت كل ماتفعله هو أنك تبحث عن آلتك المفقودة الذي تدعى "چوليا"، عليك أن تفهم يا" عامر" أنا هُنا وحدي فقط !
تركته خلفها وأكملت طريقها، بينما الآخر يقف في ذهول وهو يردد ببلاهة:
-ما بها؟ لماذا تكره عزيزتي "چوليا" كثيرًا؟؟
دخلت "سالي" إلى القصر مجددًا لتجده خالي، حتى "أرسّلان" لم يكن بمقعده، اتجهت بقدم ثقيلة نحو غرفتها، أغلقت على نفسها الباب، ثم جلست على الفراش بعقل مشوّش وقلبٌ هالك، ظلّت جالسة في غرفتها حتى حلّ المساء، فوّتت العشاء، مع محاولات الجميع بإخراجها من الغرفة، ولكنها لم تخرج، ظلت مستيقظة حتى الساعة 2 صباحًا، خرجت من غرفتها، توجّهت نحو الأسفل، حيث حديقة القصر الواسعة والمليئة بالأشجار والورود، كما أن يوجد بجانب القصر بحيرة صغيرة ينعكس عليها ضوء القمر، لتجلس على حافة البحيرة تلك، تنظر إلى إنعكاس القمر الموجود على الماء، فتضم قدميها إلى صدرها، وتدفن رأسها بينهم، وتترك العنان لروحها بالفصح عن كل مابداخلها من حزن، وضياع، وحيرة، وألم، ظلت تبكي لتشعر بعدها بشخصٌ ما يقف خلفها، ترفع رأسها وتلتفت للأسفل لتجد من، لتجده الأمير "أرسّلان" واقفًا بزيّه الرسمي، وشعره المرفوع للأعلى ووسامته الذي على الرغم من وجود ضوء القمر فقط، إلا إنها كانت واضحة، كان يقف شابك يديه ببعضها خلف ظهره، ليحدثها بنبرة ساخرة هادئة:
-مابكِ تجلسين وحدك تبكين، كالقطط الضالّة، هل تشعرين بالإشتياق إلى عائلتك؟
أنهى حديثه وهو يجلس بجانبها، لتردف إليه هي فقط بهز رأسها بالإيجاب، وهي تمحي دموعها بيديها الصغيرة، ليوزّع "أرسّلان" نظره في الأرجاء قبل أن يردف إليها:
-أنا أيضًا ! أشتاق لهم ! أشتاق إلى عائلتي وحنانهم، أشتاق لذلك الشعور الدافئ بجانبهم.
لتبتسم "سالي" وهي تجاوبه:
-أنا .. أشتاق لوالدتي وأخي وأبي، على الرغم من شجاراتنا الدائمة، إلا إنني أشتاق للحديث معهم، ورؤيتهم، أشتاق لعِناق والدتي وكعك الشكولاته الذي كانت تعدّه لأجلي، أشتاق لكل شيء يخصهم !
ظل يستمع إليها "أرسّلان" بكل تركيز، ليحدّثها بنبرة مواسية:
-أشعر بكِ تمامًا، فأنتِ مازلتِ صغيرة على هذا الشعور ! ولكن يجب أن تتماسكي!
نظرت إليه "سالي" بسخرية قبل أن تجاوبه:
-أنظر من يخبرني أن اتماسك ! هل تخبرني ذلك وأنت في عمري كنت تجلس أسفل السرير تبكي حتى لا يستمع إليك أحد، لأنك فقط كنت تشتاق لوالدتك !
اتسعت عينان "أرسّلان" وهو يسألها باستغراب:
-كيف؟ كيف علمتِ هذا؟؟
توترت "سالي" ثم جاوبته مسرعة:
-لا تسألني، أنا فقط .. أعلم أشياء كثيرة، لا يعلمها الكثير.
أومأ "أرسّلان" برأسه قبل أن يبتسم بتفاجيء ويبعد نظره عنها، في ظل ذلك الحديث كانت "رُقية" تشاهدهم من الأعلى من نافذة غرفتها، تشاهدهم وهم يتحدثون، وكيف يبتسم لها، كانت تشعر "رُقية" بالغيرة والحقد، فكان دومًا "أرسّلان" يعاملها ببرود وجدية ويضع بينهم دائمًا حدود، فماذا تفرق تلك الصغيرة عني؟ أنا أجمل منها بكثير، وأيضًا أنا خطيبته، لماذا هي الذي تنال ذلك أما أنا فـ لا !في الصباح الباكر استيقظت "سالي" على ضجيج غير إعتيادي وصفارات الإنذار تملأ المكان، اعتدلت في جلستها بخوف شديد، ثم ركضت إلى الأسفل لتجد الجميع حول "أرسّلان" ويطمئنون عليه، ظلت تتسائل عن ما يحدث، ليخبرهم الخَدم بأن كان هُناك حريق، بسبب محاولة الأمير "أرسّلان" في صنع كعك الشكولاتة ! ولكن أنتهى به الأمر إلى إفتعال حريق، نظرت إليه "سالي" بتفاجيء لتجده ينظر إلى جميع الأرجاء معادا هي، فكان يشعر بالخجل، لتتحدث إليه "رُقية" بخوف:
-عزيزي؟ لما فعلت ذلك؟ فأنت لديكَ المئات من الخدَم والطباخين الماهرين، لماذا فعلت ذلك بنفسك وكنت ستلحق بنفسك الضرر؟؟
نظر إليها "أرسّلان" نظرة ثابتة خالية من المشاعر:
-فقط أردت فعل ذلك بنفسي لأنني إشتقت إلى كعك الشكولاتة، وأردت صنعه بنفسي، كما إنه قصري، وأفعل به ما أشاء !
أنهى حديثه تحت أنظار "سالي" التي كانت تشاهده بتعجّب وحيرة بابتسامة خفيفة، ظنّت بأنه حاول فعلها مخصوص لمواساتها ! على الرغم من إنه فشل، ولكن المحاولة وحدها تُسعدها !
ألقت نظرة على الحضور ولكن لم تجد بينهم "عامر" فتسائلت باستغراب عن مكانه، ليجاوبها "أرسّلان" وهو يجلس على مقعده:
-آه، ذلك الأحمق إبن خالتك، منذ الصباح الباكر وهو بمحل التصليحات المجاور، أبهرهم بموهبته بتصليح الأشياء التي لا يمكن تصليحها، فجميع الأشخاص بالمدينة والذي لديهم أشياء هالكة، أتوا إليه ليصلحها لهم.
استمعت "سالي" إلى حديثه بصدمة، فخافت أن يفتعل تلك الأحمق المشاكل ثم ذهبت مسرعة لتبديل ملابسها لتذهب إليه.
أنت تقرأ
مَدينة أرسّلان || رنَـا محمود.
Fantasíaأحيانًا يرغمنا واقعنا المُر لأن نَلقي بأنفسنا في بحور الخيال، لتبحَر بِنا الرياح إلى أبَعد مدىٰ حيث -خط الأفق- ولكن ماذا إذا في لحظة واحدة بغتةً نجد أنفسنا بداخل هذا الخيال نعيشه واقعًا بكُل تفاصليه؟ هل سيكون مُمتع كما كان في مُخيّلتنا؟ أم إننا فَ...