في اليوم التالي استيقظت "سالي"، إذا كانت بالفعل قد نامت،فهي طوال الليل كان نومها متقطع ولا تستطيع النوم جيدًا نزلت إلى الأسفل لتجد" أرسّلان "فقط جالسًا يقرأ كتاب، لتسأل عن الجميع، ليخبرها بأنهم مازالوا نائمين:
-فنحنُ مازلنا باكرًا جدًا، لماذا استيقظتي في هذا الوقت.
تمعّن في عيناها وإلى الهالات السوداء المحيطة بهم، ليضيف إلى حديثه بنبرة هادئة:
-أم إنك لم تنامين من الأساس؟؟
ابتسمت بحزن وهي تجاوبه:
-نعم، في الحقيقة، لم استطع النوم جيدًا.
أومأ" أرسّلان " برأسه وهو يجاوبها بينما يغلق الكتاب ويضعه على الطاولة:
-بالتأكيد بسبب ماحدث ليلة البارحة، على العموم أرجو ألا تكوني غاضبة أو حزينة من ما حدث، فهو لن يتكرر ثانيًا !
ابتسمت الأخرى بخجل وهي تجاوبه:
-حسنًا.
لتنظر إلى مجلة أخبار موضوعة أمامه تحمل تاريخ اليوم لتنظر بدهشة وهي تحدّثه:
-ماهذا ! غدًا هو يوم ميلادك ! وأيضًا يُصادف نفس اليوم الذي تم تتويجك به كأمير للمدينة !
مال "أرسّلان" برأسه قليلاً وهو يجاوبها:
-نعم فهو كذلك، ولكن كيف علمتِ ذلك؟ هذا ليس له علاقة بقراءة الأفكار أليس كذلك؟
تلعثمت وهي تجاوبه:
-آه، نعم بالطبع ليس له علاقة، لقد علمت ذلك من العم "راشد"
ظلّت تتمعن "سالي" في التاريخ " الثاني عشر من ديسمبر، لعام 1855"
عقدت "سالي" حاجبيها بصدمة، فهي في الرواية لم تحدد تاريخ السنه بالظبط، حددت يوم الميلاد ويوم التتويج فقط، ولكن نظرًا لهذه السنة، فهُم الآن في العصر الفيكتوري ! نعم بالطبع فهو كذلك، مايؤكد ذلك هو طريقة اللبس هنا وطريقة الأثاث والديكور، على الرغم من إنها لم تحدد إذا كانت المدينة في العصر الفيكتوري أم لا، ولكنها وضّحت بأنهم من مئات السنين، وشرحت طريقة اللبس والديكورات وكل شيء، ولكن تقريبًا لم تستطع الألة تحديد السنة بالظبط فجعلتهم في عام 1855 حيث العصر الفيكتوري.
ليقطع شرودها "أرسّلان" الذي استغرب صمتها وصدمتها:
-ما بكِ هل يوجد شيء؟
لتنفي "سالي" برأسها وهي تجاوبه:
-لا، أبدًا.
-حسنًا، أنتِ تعلمين في كل عام بالغد تُقام حفلة ! يأتي بها سُكان المدينة الأغنياء والكثير من الأشخاص والمعارف، وأنا في كل عام مثل اليوم أذهب مع الكثير من الحرّاس لشراء ملابسي بنفسي وتجهيز كل شيء، ولكن .. هذه السنة مختلفة بوجودك، أتريدين القدوم معي؟ فقط أنا وأنتِ.
ابتسمت "سالي" بشدة قبل أن تجاوبه:
-حقًا؟؟
أومأ أرسّلان برأسه بابتسامة خفيفة، قبل أن تقف هي وتخبره بأنها جاهزة، وبالفعل اتجهوا نحو باب الخروج من القصر، تحت أنظار "عامر" الذي كان يشاهدهم من الأعلى، ظل ينظر إليهم وهم يرحلون قبل أن يتنهد طويلاً ويردف بهدوء :
-تلك الطفلة ! لا تستمع إليّ أبدًا.كانت "سالي" تتجول مع "أرسّلان" بالمدينة بسعادة كان كل من يراهم يلقي عليهم التحية باحترام، ويتفاجئون جدًا، بأن الأمير تلك العام يشتري مشترياته بجانب فتاة صغيرة ذات 18 عام، بدلاً من حرّاسه الذين كانوا يذهبون معه أينما ذهب، كانت تنظر إلى جميع المدينة نظرات إندهاش وسعادة، من أول المحلات وديكوراتها وحتى الملابس وأشكالها الغريبة والفخمة، حتى الأطفال الصغار الذين يلعبون بالشوارع، ورائحة المخبوزات التي تفوح في كل مكان.
كان ينظر "أرسّلان" إليها وإلى سعادتها بابتسامة خفيفة، فكان يشعر بأنه يمشي بجانب طفلته الصغيرة، الذي يفرح لابتسامتها، ويتحول لكائن مخيف ومُرعب فور رؤيته لتعاستها، بعد شراؤهم للأشياء الذي كان يريدها "أرسّلان" وملابسه، ذهبوا إلى محل يبيع ملابس النساء، فهو قرر أن يشتري لها فستان جديد لتحضر به الحفلة، لتتردد "سالي" قليلاً :
-لا يوجد داعي لهذا فأنا..
ليقطع حديثها بكلماته:
-كيف لا يوجد داعي؟ فأنتِ مساعدتي الشخصية، ويجب أن تكوني بأحسن حال وشكل !
ابتسمت بهدوء وهي تومأ له برأسها
وبالفعل دخلوا إلى محل الملابس وبدأت "سالي" أن ترتدي فستان وآخر حتى إختارت فستان باللون النبيتي الداكن، الضيق من الأعلى واسعٌ قليلاً من الأسفل، وكان مطرّز ببعض اللولي الأبيض من الأعلى، وبالفعل إشتراه "أرسّلان" لها، كانت "سالي" سعيدة جدًا بالفستان، على الرغم من إنها لم تحبهم بتاتًا من قبل، وكانت كل ملابسها بنطالات وأقمصة، ولكن "أرسّلان" كان قادر على جعلها تحب أي شيء، كانوا في طريقهم للعودة إلى القصر، كانوا يدردشون بالقصر، حتى ظلّت تنظر إلى "أرسّلان" نظرة طويلة، لاحظها هو ليتسائل ماسبب تلك النظرة:
- ماذا، ألاحظتي وسامتي الشديدة لتوّك؟
ابتسمت حين سمعت كلماته، وتذكّرت "عامر" حين قال لها كلمات متشابهة حين كان يعمل في تصليح الآلات، تلاشت ابتسامتها وهي تجاوبه:
- على الرغم من إنني صغيرة جدًا بالنسبة لكَ، وأنتَ أكبر مني بسنوات عديدة، ولكن دعني أقدم لكَ هذه النصيحة، ولكن خذها مني على محمل الجد، فيمكن سنّي صغير، ولكن عقلي يضاهي إمرأة في الخمسينات !!
ابتسم "أرسّلان" بهدوء وهو يسألها:
-حسنًا، سأأخذ تلك النصيحة على محمل الجد، وبصدر رحب، تفضّلي !
تنهدت "سالي" قبل أن تجاوبه:
-عِش حُرًا أيها الأمير ! لا تمشي على خُطى الأشخاص المحيطون بكَ، لا تفعل أمور غير راضٍ عنها لأنهم فقط يريدون ذلك، إنها حياتك أنتَ، وأنتَ وَحدك من لك الحق بالتحكُم بها، حاول أن تعيش كما تريد وليس كما يجب أن تعيش! هُناك فرق شاسع بالتأكيد، جرّب أن تتمرد ولو لمرة في حياتك.
ظل يستمع "أرسّلان" إليها في صمت ليجاوبها بعدما تنهد طويلاً:
-يا إلهي إنها نصيحة عميقة وكبيرة جدًا ! ولكن، هل تأخذي أنتِ بهذه النصيحة لنفسك؟ أقصد هل تعيشي بهذا المبدأ؟
أومأت "سالي" سريعًا قبل أن تجاوبه:
-بالطبع ! مُنذ أن كنت طفلة صغيرة وأنا التمرّد شيءٌ يسري في دمي، أفعل فقط ما يحلو لي وما أجده مُمتع وصحيح ! ومع ذلك أعلم كيف أن أقنع من حولي بذلك دون أن يكرهونني أو يغضبوا مني.-حسنًا، فلتعتبريني من الآن وصاعدًا أعيش بهذا المبدأ !!
ابتسمت له بهدوء قبل أن تنظر أمامها ليكملوا حديثهم، لينظر "أرسّلان" إليها مجددًا بعدما تذكّر حديث "عامر" :
-بالمناسبة، "عامر" إبن خالتك، هل يوجد بينكما شيء سوى إنه إبن خالتك؟؟
عقدت "سالي" حاجبيها وهي تجاوبه:
-بالطبع لا، هو فقط إبن خالتي، وصديقي ليس إلا !
-ولكن، عندما أراكم سويًا أشعر بشيء غير ذلك، خصوصًا خوفه الشديد عليكِ وطريقته في حمايتك.
نفت "سالي" برأسها سريعًا وهي تردف إليه:
-لا تفهم كل ذلك خطأ، إنه فقط يعزّني كصديقة مقرّبة له، لذلك بعض الأوقات نظهر مُقرّبين جدًا !!
إكتفى بأنه يومأ لها برأسه ولكن بداخله لم يكن يصدق بأن هذا كل شيء.
أما هي فعادت بذكرياتها عندما كانت في الإعدادية، حيث إنها كانت مُعجبة جدًا بـ "عامر" وكانت تريد دومًا التقرّب منه والإعتراف بحبها له، ولكنه كان مشغول بدراسته دومًا ولا يعطيها أي إهتمام، ومنذ ذلك الحين و "عامر" شخصيته وشكله كانوا يشكّلون جزء كبير من فتى أحلام "سالي" حتى عند كتابة شخصية "أرسّلان" فكان يشبه "عامر" إلى حدًا كبير، حتى في الملامح وطريقة الحديث، والثقة بالنفس! ولكنها انشغلت برواياتها عن "عامر" ولم تلتقي به كثيرًا كالماضي، لذلك نسَت إعجابها به شيءٌ في شيء.
أنت تقرأ
مَدينة أرسّلان || رنَـا محمود.
Fantasiaأحيانًا يرغمنا واقعنا المُر لأن نَلقي بأنفسنا في بحور الخيال، لتبحَر بِنا الرياح إلى أبَعد مدىٰ حيث -خط الأفق- ولكن ماذا إذا في لحظة واحدة بغتةً نجد أنفسنا بداخل هذا الخيال نعيشه واقعًا بكُل تفاصليه؟ هل سيكون مُمتع كما كان في مُخيّلتنا؟ أم إننا فَ...