الفصل الثاني وعشرون.

6 1 0
                                    

عندما رأى "أرسّلان" عمه في هذا الموقف وهو يصوب البُندقية نحو رأس "سالي" شعر بأن شخصٌ ما غرز سكين حاد في قلبه، وعلم بأن كل حديثها عن عمه كان صحيح، فـ اتجَّه نحوهم ووراءه حارسه الشخصي، أنزَل البُندقية من على رأسها، بينما ينظر بغضب مكبوت لـ عمه، الذي كان في صدمة لا مثيل لها:
-إحذر ياعمي، فأنتَ مصوَّب السلاح نحو الشخص الخطأ، أتعلم ماهي عقوبة من يأذي زوجة الأمير المُستقبلية؟

إبتلع "ضياء" ريقه وهو ينبس بتلعثم:
-إسمع، إسمعني يا  "أرسّلان"  أنا فقط..
قاطعه "أرسّلان" بأمره للحرّاس:
-إلقوا القبض عليه، هو وحارسه.
وبالفعل بدأوا حراس "أرسّلان" يلقون القبض على "ضياء" و "سلَّام" تحت مقاومتهم وصراخهم، أما "أرسّلان" جلس على ركبتيه أمامها، ينظر لحالتها التي يرثى لها، فـ نبس بحزن يعتلي وجهه:
-آسف على تأخري  !
فور ما سمعت تلك الكلمات انهالت الأخرى بالبكاء، وكأنها أخيرًا إلتقطت أنفاسها.
بكى الآخر على بكاءها، وظل يهدئها، وبعدما قبضوا على "ضياء" و "سلَّام" وأخبروا سكان المدينة عن سوء أميرهم "أبسم" إستعدوا للعودة إلى مدينتهم، فتسائلت "سالي" عن "عامر" فظلت الحراس يبحثون عنه حتى وجدوه في غرفة مجاورة للمخزن، مغشي عليه في دماؤه، عندما رآت منظره أغشى عليها هي الأخرى.

في المساء كان الطيب خرج من غُرف "سالي" و "عامر" بعدما طهر جروحهم وعالجهم، ودّعه "أرسّلان"، ثم تفاجئ بقدوم  " رُقية ":
-" أرسّلان "! ماذا فعلت بوالدي  !! تحدث  !!
أنهت جملتها وهي ترفع يدها كانت تريد أن تصفعه، ولكن حارسه الشخصي تدخل وأمسك بيدها:
-فعلت به مايلائم الأشخاص الخائنة! والذي سأفعله بكِ أيضًا لأنكِ كنتِ تدعميه  !
أنهى حديثه ثم أمر حارسه الشخصي بأن يلقي القبض عليها هي الأخرى مع والدها وحارسه، وأن يظلوا بالسجن حتى الموت.
وبالفعل أمسك بها الحارس وخرج بها من القصر، تحت توسلاتها وصراخها، ذهب هو إلى غرفته، أخذ حمامًا ساخنًا وبدّل ملابسه، ليجد بجانب سريره إطار لصورة له مع عمه عندما كان هو طفل ويجلس على قدم عمه، بينما على القدم الأخرى تجلس" رُقية " فألقى بالإطار بعيدًا ليصبح أشلاء، ولكنه لم يستطيع كبح جماح نفسه عن البكاء، فكان عمه هو الشخص الذي كان أمامه بعدما ماتوا والديه، كان يحبه، ويقدّره، ويسمع كلامه، كان عمه الشخص الوحيد الذي لا يريد أن يُخذَل منه، ولكن مخاوفه قد تحققت، وعمه الذي أحبه، واعتبره أباه، كان أكثر شخص أذاه ولحق به الضرر، بكى بكل قوته، كما لم يبكي من قبل، صوت بكاءه كان يستطيع الجميع سماعه، كطفل صغير يشعر بالألم.
استيقظت هي في منتصف الليل، اعتدلت في جلستها تتحسس رأسها الملفوف بالشاش الأبيض، ومعصميها أيضًا، وتشعر ببعض الحرقة على الجروح التي بوجهها، وضعت قدميها في الأرض، كانت ستقع حالما وقفت، ولكنها تماسكت، فـ مشت بخطوات ثقيلة نحو غرفة "عامر" وجدته نائم بثبات وصدره بالكامل ملفوف بالشاش ورأسه، وهنا بعض الكدمات على جسده ورأسه، فنزلت دمعه منها وهي تتقدم نحوه ببطئ، لتسمع صوت خلفها:
-هو بخير لا تقلقي.
التفتت لتجده "أرسّلان"  :
-حقًا؟
قالتها وهي تريد التأكد بأن "عامر" بالفعل بخير، ليومأ الآخر برأسه، فـ عادت للخلف هي ووقفت أمامه تمامًا:
-وأنتَ؟ بماذا تشعر؟!
تنهد "أرسّلان" وهو يضع يده على خافقه:
-أشعر بأن أحدًا ما إنتزع الساكن هُنا.
عقدت حاجبيها من شدة شعورها بالحزن عليه، واخفضت رأسها، ليتبع الآخر.
-ظللت طويلاً أخشى التقرب من أحد، حتى لا أشعر بمرارة الخذلان، ولكنني شعرت بها من الشخص الوحيد الذي وثقت به، طيلة حياتي.
نظرت إليه ثانيًا بعيون تملأها الدموع:
-أحيانًا تفاجئك الحياة بتغيّر مريع في الأحداث، إنها سجيتها  !
قالتها وهي تحاول مواساته، ليومأ الآخر برأسه، لتسأله هي بفضول:
-ولكن، كيف علمت مكاننا، وماحدث؟
ليخبرها هو بأن العم "راشد" جاء إليه وأخبره بكل مايحدث، وأخبره أيضًا على مكانهم.
فابتسمت "سالي" وهي تومأ برأسها، وهي ممتنة لـ "راشد" لأن لو لم يتدخل كانوا الآن في عداد الموتى.
طلبت من "أرسّلان" أن يذهب ويغفى، لأنها ستظل جالسة بجانب "عامر" حتى إذا احتاج شيء، فشعر "أرسّلان" بالضيق في البداية، ولكنه وافق وتركها وذهب لغرفته، سحبت هي مقعد وجلست بجانب السرير النائم عليه "عامر" ظلت تنظر لحالته والكدمات التي تملئ جسده، فنزلت دمعة منها دون أن تشعر، مسحتها سريعًا وهي تخبر نفسها بأن كل شيء سيكون على مايرام.
في اليوم التالي دلفت للأسفل، وجدت "أرسّلان" جالس بشرود، لتجلس بجانبه وهي تسأله:
- هل أنتَ بخير؟
ليبتسم بثقل وهو يجاوبها:
-نعم، لا تقلقي، كيف حال إبن خالتك؟
لتومأ "سالي" برأسها وهي تجاوبه:
-إنه بخير، لقد استيقظ طوال الليل عدة مرات، إعطيته الدواء وهو الآن نائم.
ليعقد "أرسّلان" حاجبيه وهو يسألها:
-هل ظللتي بجانبه طوال الليل؟ ألم تنامي؟
فابتسمت "سالي" وهي تجاوبه:
-لا بأس، لا أشعر بالتعب على الإطلاق.
فاستغرب "أرسّلان" من اهتمامها الشديد ب "عامر" كان ذلك يشعره بالغيرة والغضب، ولكنه كان يكتم ذلك بداخله.
بعد مدة خرج "أرسّلان" لسُكان المدينة والذي جمعهم هو ليطلعهم على آخر الأحداث، فأخبرهم بخيانة عمه له، وبأنه سيظل في السجن هو وعائلته حتى يتعفنون، وذلك هو عقاب كل خائن، ولكنه فاجئهم بخبر آخر:
-ولكن تلك الأخبار ليست كل شيء، فـ إليكم الخبر الأجمل، فقررت أنا أن اتزوج.
اندهشوا سُكان المدينة وفرحوا كثيرًا، فطلب هو من "سالي" التقدم فوقفت بجانبه بإحراج شديد:
-وتلك هي العروس.
ألقت "سالي" عليهم التحية، وصفقوا سُكان المدينة بسعادة، كان كل ذلك يحدث تحت أنظار "عامر" الذي يشاهدهم من الأعلى، حيث كان واقفًا بغرفته، فضغط على أسنانه بغيرة، وهو يراها تقف بجانبه، ويخبر الجميع بأنه سيتزوج منها، ولكنه قرر أن يصمد مدة أطول قليلاً فكل ذلك سينتهي قريبًا.
قرر "أرسّلان" بأن الزواج سيكون خلال أسبوع، وبالفعل بدأت التحضيرات للزواج.
كان "عامر" يتعافى شيئًا في شيء وكانت "سالي" دومًا بجانبه، ترعاه، وتجلب له الطعام والدواء، كان هو سعيد بوجودها بجانبه، قرر أن لا يكترث بما يحدث حولهم، كل مايهمه هو أنها جانبه، وتهتم به
دخل "راشد" للقصر في المساء، فركضت نحوه "سالي" وهي تشكره بوقوفه بجانبهم، فـ يربت هو على رأسها بلُطف، فيتأكد "عامر" بأن لا أحد يراهم أو يسمعهم، فسأله بفضول:
-هل عليهم حقًا أن يتزوجوا؟
فابتسم "راشد" وهو يومأ برأسه:
-تلك الوسيلة الوحيدة لعودتكم لعالمكم، ولكن إحذروا  ! إن الخطر لم ينتهي إلى هنا، ف هناك شيء خطير سيحدث في المستقبل، قلبي يحدثني بذلك، لا أعلم ماهو ولكن عليكم الحذر، كما أيضًا عندما ستعودوا للعالم الواقعي، فستكونوا فاقدين تلك المدة التي قضيتوها في المدينة من ذاكرتكم، ولكنها حتمًا ستعود لكم بعد مدة قصيرة، وذلك نتيجة لتأثير التنقل بين العالم الخيالي والعالم الواقعي.
فعقدت "سالي" حاجبيها وهي تسأله:
-هذا يعني إننا لن نتذكر قدومنا للمدينة؟
فأومأ "راشد" برأسه:
-نعم، ولكن لمدة قصيرة جدًا.
فصمتوا هُم، بينما كانت تفكر "سالي" بحديثه، وماهو ذلك الخطر الذي عليهم الحذر منه ياترى؟

مَدينة أرسّلان  || رنَـا محمود. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن