الفصل الثالث عشر.

7 1 0
                                    

في اليوم التالي، في غرفة "أرسّلان" كانت "سالي" تُسلم إلى "أرسّلان" المال الذي جمعته من إدارة المدينة وبيع الموارد الذي تفيض من إستهلاكات المدينة، ليتفاجئ "أرسّلان" من تلك المبالغ الكبيرة ليخبرها بابتسامة واسعة:
-رائع  ! على مايبدو بأنك تعملين بجهد كبير، فإن المال أكثر بكثير من ما كان عمي يتحكّم بالمدينة.
لتبتسم "سالي" بسخرية، قبل أن تجاوبه:
-لطالما كانت الأموال كثيرة، وتأتي مبالغ كبيرة، ولكنك لم تكن تنال منها إلى القليل.
ليقف "أرسّلان" مستعجبًا مِمّا تقوله:
-ماذا تقصدين؟
نفت برأسها بابتسامة بسيطة وهي تجاوبه:
-لا تكترث فقط أمزح معك.
تقدم ليعطيها بعض المال، كانت ترفض بالبداية ولكنه أخبرها بأنها عليها أخذهم فهذه هي مكافأة لعملها الجاد، دلفت إلى الأسفل لتجد "عامر" جالس وحده في شرود، جلست أمامه بحماس وهي تريه المال:
-أنظر، إنه مبلغ كبير، أتريد الذهاب معي إلى السوق لنذهب في نزهة  !
نظر إليها "عامر" ببرود وهو يجاوبها:
-لا أريد، إذهبي وحدك.
تلاشت ابتسامتها قبل أن تنبس بحُزن:
-حسنًا، أنت الخاسر.
بدأت في تجهيز نفسها، ثم خرجت إلى تلك المدينة الواسعة، تستنشق هواءها، وتنظر إلى تفاصيلها، وتتمشى بين سُكانها وتشتري الحلويات، ظلت بالخارج حتى حلّ المساء، لم تشعر بنفسها إلا ووجدت الناس بالمدينة أصبحوا قليلين جدًا، وجاء ظلام الليل ليغطي المدينة بأكملها، ثم قررت العودة إلى القصر، كانت تمشي وحدها في أحد الأزقة الذي يعيدها إلى طريق القصر، كانت تشعر بشخصٌ ما يمشي خلفها، كانت كُلما تسرع من خطواتها خطواته تسرع أيضًا، شعرت بالخوف الشديد وأصبح قلبها يخفق بشدة، حتى أصبحت تركض وتصرخ بأحد يغيثها، ولكن الشخص كان أسرع منها فلحق بها، واستطاع أن يكتم أنفاسها بأحد الأقمشة المرشوشة بمخدر، لتقع أرضًا فاقدة للوعي، ليأتي بعدها شخصٌ آخر بعربة، ثم يأخذونها ويذهبوا.
في القصر كان "عامر" واقفًا بقلق، ويتمشّى ذِهابًا وإيابًا، لينزل إلى الأسفل "أرسّلان" ويجلس على مقعده في تساؤل:
-مابكَ؟!
قالها ببرود وعدم مبالاة، لينبس إليه "عامر" بقلق:
-لقد خرجت "سالي" منذ الصباح لتتجول بالمدينة ولكنها لم تعد حتى الآن.
وقف "أرسّلان" مسرعًا بصدمة:
-ماذا؟
لينادي بعدها إلى حرّاسه يخبرهم أن يقلبوا المدينة رأسًا على عقب حتى يجدوها.
وبالفعل بدأت كل الحرّاس بالإنتشار في المدينة، ليبحثون عنها في كل مكان وكل زاوية، ولكنهم يعودوا بخيبة أمل، يخبروه بأنهم لم يجدوا لها أثر، صدموا "عامر" و "أرسّلان" ليركل "عامر" قدمه بالطاولة الموضوعة أمامه بغضب، ظلوا جالسين إلى الصباح لم يناموا أو يغفى لهم جفن كل ما كان يفعله "عامر" هو أن يأنبه ضميره ويشعر بالغضب من نفسه، فإذا لم يرفض طلبها كانت ستكون الآن معه وبآمان،ولكنه تركها تغادر وحدها ولا يعلم ما الذي أصابها، أما "أرسّلان" فكان يشعر بالخوف الشديد عليها كان يتمنى لو يعلم فقط مكانها، حتى جاء أحد الحرّاس يخبر "أرسّلان" بأن جاء له جواب، يمسك "أرسّلان" الجواب مسرعًا ويقرأه وكان محتواه.
"عزيزي أرسّلان، مابكَ؟ يظهَر على وجهَك ملامح الخوف والذعر، على مايبدو بأنك فقدت شيءٌ ثمين عليك  ! آه نعم إنها تلك الفتاة الصغيرة الجميلة، قارئة الأفكار أليس كذلك؟؟ إنها بحوذتي ومعي، وذلك نتيجة للعبث معي يا أرسّلان، فأنت رفضت شراكتي، كما أنك صوّبت نحو قدمي قوسك، بمساعدتها، لذلك إذا أردت إنقاذها فلتأتي لي بساحتي، لنتحدث وجهًا لوجه  !  ، عزيزك زاهر."
أنهى "أرسّلان" قراءة الجواب ثم يرمي به بالأرض وهو يكسّر كل شيء أمامه بغضب، لم يكن يفهم "عامر" ما الذي مكتوب بالجواب، ليمسك به ويقرأه، لتتسع عيناه وهو يوجّه حديثه نحو "أرسّلان"  :
-أليس "زاهر" هذا من ذهبنا إليه في الغابة، وكان يريد إعطائك موارد فاسدة؟
أومأ "أرسّلان" برأسه بغضب، ليرمي "عامر" الجواب من يده ثم يذهب ليمسك "أرسّلان" من ملابسه:
-إسمع يا "أرسّلان" فذلك الرجل عرف "سالي" بسببك، واختطفها بسببك، ولا أعلم ما الذي سيصيبها بسببك مجددًا، ولكن إذا فعل بها هذا الوقح أي شيء سيء، سيكون عقابك معي أنا، أفهمت؟
لينزل "أرسّلان" يد "عامر" برفق وهو يردف إليه بنظرة ثابتة ونبرة حادّة:
- إعلم جيدًا بأنني أخاف عليها مثلك وأكثر، وإذا فعل بها ذلك الخنزير شيء سيء، سأحرق المدينة بأكملها، وليس جسده فقط، لذلك تهديداتك هذه لا تعني لي شيء، والآن ضع كل تركيزك على إنقاذها، وليس تهديدي   ! إتبعني.
ليذهب "أرسّلان " وهو يأخذ سيفه، ويعطي إلى "عامر" بندقية، ويخبر حرّاسة لأن يجهزون العربة، ويأتون معهم هو و "عامر" أما "عامر" فتنهد بضيق محاولاً تهدئة نفسه، ثم أتبعه في صمت.
صعدوا إلى العربة متجهين نحو قصر "زاهر".

تستيقظ تلك الفتاة الضّئيلة مربوطة اليدين تفتح عيناها ببطئ لتتذكر ماحدث تعتدل في جلستها بصدمة بينما تنظر حولها تجد حالها في غرفة باردة خالية من كل شيء، سوى مصباح صغير بالكاد ترى من ضوءه ماحولها، كانت تظن بأن من اختطفها" ضياء" أو "رُقية" أو ربما "سلّام" ظلّت تنادي بأسماءهم وهي تخبرهم بصوتٌ صارخ وباكي  "أيها الأندال إذا تريدون الإنتقام مني فقط إظهروا لنتحدَّث وجهًا لوجه".
لم تنتظر الكثير، حتى فتح باب الغرفة" زاهر" بهيئته الضخمة، لتتسع أعيُن "سالي" في صدمة، لم تتوقع بأن من فعل ذلك هو "زاهر" فكان بعيد كل البُعد عن تفكيرها، يجلس أمامها ببطئ بينما هي تبتعد كلما أقترب، لتحدّثه بنبرة مُهددة:
-ماذا تريد أيها الأحمق؟
ليجاوبها "زاهر" بطريقة مستفزة:
-أنا لا أريد منكِ شيء أيها الطفلة  ! أنتِ هُنا فقط كطُعم للمتعجرف الذي يدعى "أرسّلان".
لتردف إليه" سالي" بصدمة:
- "أرسّلان"؟ أنا أحذّرك بأن تؤذيه ولو بخدش بسيط أتفهم؟
ليقهقه الآخر بسخرية وهو يجاوبها:
-أسمع طيلة الوقت عنكِ، بإنك مُساعدته الشخصية، ولكن لماذا شعرت لتوّي بإن الذي بينكم أكثر بكثير؟؟
-أتعلم ماذا؟ أنتَ جبان للغاية، إذا كنت تريده لماذا لم تأتي إلى قصره، وأكتفيت باختطافي.
تنهي كلماتها من صفعة قوية بيده تجعل شفتاها السفلية تنزف
ظلّت تنظر" سالي" إليه بحقد شديد، ليأتي بعدها حارس يخبره بأن "أرسّلان" قد وَصل.
تنظر "سالي" إلى الحارس بخوف من ما سمعته، ليتركها "زاهر" ويخرج إلى "أرسّلان".
ليجده واقفًا بمنتصف القصر، وخلفه حرّاسه، بينما يقف بجانبه" عامر" ليسأله "أرسّلان" بنبرة حادّة:
-ها أنا يا "زاهر" أين "سالي"؟
-إنها في آمان، لا تقلق.
لم يستطع" عامر" كبح نفسه، ليسأله بصراخ قويّ:
-أين هي أيها الخنزير؟ إحضرها لي والآن.
ليردف إليه "زاهر" وهو ينزل إليهم:
- من الواضح بأن تلك الفتاة مهمة للغاية، حتى تكونون قلقين عليها بهذا الشكل.
ليجاوبه "أرسّلان" وهو يفقد صبره:
- إسمع يا "زاهر" فإن مشاكلنا تظل بيننا، تلك الفتاة البريئة ليست لها أيَّ شأن في هذا.
-ومن قال بأن مشاكلنا خرجت من بيننا؟؟ فهي مازالت كذلك.
لينهي حديثه وهو يوجّه قوسه نحو "أرسّلان"  ، ليهجم عليه حرّاس "أرسّلان" يدخلون في شجار مع حرّاس "زاهر" بينما يتعارك هو مع "عامر" و "أرسّلان".
ليخبر" أرسّلان " "عامر" بأن يذهب إلى الأعلى ويبحث عن "سالي" وبالفعل يركض "عامر" إلى الأعلى ببندقيته، يظل يبحث في كل مكان عنها، ليفتح بعدها الغرفة التي هي بها، ليجدها جالسة وجهها ينزف وتبكي في هدوء.

مَدينة أرسّلان  || رنَـا محمود. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن