الفصل السادس عشر.

9 1 0
                                    

خرجوا من غرفة "أرسّلان" اتجهت هي نحو غرفتها تضع بها اللوحة، بعد الانتهاء دلفت إلى الأسفل، كانت الأجواء رائعة، ومفمعة بالحيوية، كان "أرسّلان" يتجاوب مع سكان المدينة والحضور بطريقة مثالية، ليتقرب منه بـ ود أحد السكان وهو يسأله بإحراج:
- ألمّ يحين الوقت للزواج أنتَ والسيدة "رُقية"؟ يجب أن نرى أبناءك قريبًا.
نظر إليه" أرسّلان " بشرود قبل أن يجاوبه:
- ربما لم يحين الوقت بعد.
في ظل الحديث كانت "رُقية" تراقب من بعيد بعيون حاقدة.
في اليوم التالي من إنتهاء الحفل استيقظت "سالي" ودلفت للأسفل، لتجد الأمر فوضويّ تمامًا بالقصر، كانت الأجواء متوترة، و "ضياء" بجانبه "سلَّام" يقفون يبتسمون باستفزاز، بينما "رُقية" تتابعها وهي تتقدم نحوهم شيئًا في شيء.
وقفت "سالي" بجانب "عامر" الذي كان ينظر إلى "ضياء" بغضب، تسائلت "سالي" بفضول موجهه حديثها نحو "عامر":
-" عامر"!! ماذا هناك؟؟
ليردف إليها "ضياء" أولاً قبل "عامر":
- هناك بعض الحقائق  !! التي كنت تخفينها أنتِ و إبن خالتك، هذا إذا كان إبن خالتك فعلاً   !
عقدت" سالي" حاجبيها وهي تتسائل مجددًا:
-لا تتحدث معي بالألغاز  ! أخبرني ماذا هناك  ؟
لتقف "رُقية" تجاوبها بثقة:
- لقد بحثنا عنكم، وحاولنا جمع المعلومات الكافية عنكم، ولكن المفاجأة  !! لم نجد لكم أثر في أي مكان، لا أحد يعرف بكم  !! حتى تلك المدينة التي قلتُم بأنككم كنتم أسرى بها، "دمياط" اليس كان ذلك اسمها؟ لا يوجد مدينة في هذا العالم تسمى هكذا.
إبتلعت "سالي" ريقها وهي تنظر إلى "عامر" الذي كان يقف مستسلمًا للموقف.
ليتابع "ضياء" حديث إبنته:
-مَن أنتِ؟؟ جئتِ من العدم، وفي لحظة واحدة أخذتِ صف الأمير، لا يوجد عنكِ معلومات، هل أنتِ جاسوسة محترفة؟؟ هل تريدين قتل الأمير؟؟
استجمعت "سالي" قواها وهي تجاوبه بكل قوة:
- ماذا؟ أتعتقد بأن كل الأشخاص مثلك أيها العم الحنون؟؟ في الحقيقة من يريد قتل الأمير هنا هو ليس أنا، بَل أنتَ، ومن يريد الحصول على المدينة وأموالها ومواردها ليس أنا، بَل أنتَ أيضًا، من يريد إلحاق الضرر بالأمير هو أنتَ وليس أنا.
ظل الجميع ينظرون لها بدهشة من كلماتها، بما فيهم "أرسّلان" الذي كان ينظر لها بذهول، ليتقدم نحوها ليصبح أمامها تمامًا وهو يسألها بثبات:
-ما الذي تتفوهين به؟؟ من أنتِ بالظبط؟؟ هل أنتِ عفريتة؟ جنيَّة؟؟ لماذا لا يوجد شيء يفسر ظهورك في حياتي فاجأة، ويفسر أحلامي بكِ من قبل ما أراكِ؟ من أنتِ أخبريني.

-أحيانًا، يحدث أن المرء لا يعرف حقيقة نفسه، أيضًا، أو ماذا هو، ولكنني كل ما أعلمه هو إنني لم يكن أبدًا هناك أي نوايا بداخلي لإيذائك.
قالت "سالي" وهي تنظر إلى أعيُن "أرسّلان" متمنية أن يتفهمها.
ليغمض عيناه بتعب، ويتنهد طويلاً قبل أن يجاوبها:
-لقد كذبتِ عليّ، أنتِ وأبن خالتك، لقد صدقتك، ووثقت بكِ، لقد خُنتيني، وخيانة الأمير عقابها شيئين لا ثالث لهما في هذه المدينة، أما السجن، أو القتل، ولكنني سأعفو عنكم، ولكن غادروا القصر على الفور  !
اكتفت "سالي" بالصمت، اومأت له برأسها، واتجهت نحو غرفتها تجهز أشيائها، ليأخذها "عامر" بعدها وذهبوا في طريقهم إلى منزل "راشد" كانت "سالي" طوال الطريق تبدو صامتة وشاردة، ليحدثها "عامر" محاولاً التخفيف عنها:
-ماذا بكِ؟ هل أنتِ مصدومة؟ لا تتصدمي كثيرًا، كنت أعلم على أي حال بأن هذا سيحدث وسيتخلى عنك، ولن يصدقك بشأن ماقُلتيه عن عمه .. لذا خذي الأمور بعقلانية.
لتنظر إليه "سالي" بصدمة وغضب وهي تجاوبه غير مصدقة:
- هل تحاول مواساتي أم أنك تريدني أموت بجلطة في المخ؟ فلتصمت  !!
بعد بضع دقائق وصلوا بالفعل إلى منزل "راشد" ليستقبلهم بصدمة وهو يسألهم عن ما جرى، لتحكي لهم "سالي" ما حدث، ليجاوبها بعدما تنهد طويلاً:
-حسنًا، فكانت هذه حيلة مقصودة من الثلاثة التي يدعون "ضياء" و "رُقية" و "سلَّام" حتى يتخلصون منكم، وها قد فعلوا.
ليتسائل "عامر" بفضول:
-ماذا سيحدث الآن؟؟ وماهي الأحداث المتوقعة أن تحدث لنا؟ هل سنظل عالقين بهذه المدينة إلى الأبد.
ليجاوبه "راشد" بابتسامة:
-لا تقلق يابُني، على كلاً، كل بداية ولها نهاية، ربما نهايتكم لم تأتي بعد، ولكنها أمر محتوم.
لتتنهد "سالي" وهي تفرك وجهها باستياء:
-يا إلهي  ! كم أتمنى لو إن كل هذا مجرد حلم، كم أتمنى لو إنني بدلاً من هذه الأحداث كنت جالسة في غرفتي بعد أن أخذت الأجازة من مدرستي، أشاهد مقاطع الفيديو، بينما تطهو والدتي المعكرونة والبانيه  !
كانت تحدث نفسها بصوت مرتفع، ليردف إليها "عامر" بصدمة:
-ماذا؟ أنحنُ هنا بهذه الأحوال ومُستقبلنا على المحك، وأنتِ تُفكّرين بالمعكرونة والبانيه؟
لترمقه "سالي" بنظرة حادّة قبل أن تجاوبه:
-إستمع لي ياصاحب جوليا أنت  ! أنا بالفعل رأسي مشوَّش بالكثير من الأفكار، لا أطيق الحديث معك، تجاهلني مايقارب 3 سنين مثلاً.
ظل "راشد" جالسًا يضحك على معاركتهم اللطيفة.

في القصر دخل "أرسّلان" إلى غرفته يجلس على مقعده بهدوء، بينما يتذكر حديث "سالي" عن عمه، ويتذكر عيناها وهي تتحدث، رغم إن كان كلامها غير منطقي بالنسبة له، إلا إنه كان يشعر بالصدق الشديد في عيناها.

مرّ على رحيلهم من القصر تقريبًا أسبوع كامل، في ظل هذا الأسبوع كانت "سالي" مشوَّشة، لا تعرف ما الآتي، او ما الذي سيصيبهم ثانيًا، أما الأمير، فكان الأمر كذلك بالنسبة له، كل تفكيره نحو "سالي" وحالها، يشتاق لها ولكلماتها، ولطافتها، لا يعرف إذا كان مافعله بطردهم من القصر صواب أم لا، ولكنه كل ماكان يعلمه هو أنه يريد فقط رؤيتها، ظلّت تمر الأيام، وتولّىٰ "ضياء" شؤون المدينة مرة أخرى، وتراجعت الأرباح التي تذهب ل "أرسّلان"  كما كانت، بعدما ارتفعت عندما كانت تتولى "سالي" شؤون المدينة، وإدارتها، كان "أرسّلان" يشعر بـ حيرة من هذا الأمر، أيعقل بأن عمه يسرقه؟! ويريد قتله؟! لا! مستحيل، بالطبع كانت هذه وجهة نظر "أرسّلان" كان لا يستطيع التفكير بهذا الأمر أبدًا، وَقف مستعدًا، أخبر الحرّاس بأنه ذاهبًا لمكانًا ما، وطلب منهم ألا يتبعوه، وبالفعل صعد بالسيارة وقادها بنفسه متجهًا نحو منزل "راشد" الذي أخبروه الحراس بأن "سالي" و "عامر" يمكثون هناك، وصل وظل يطرق الباب عدة طرقات، ليفتح له "عامر" الذي تتحول نظرته من لا شيء، لنظرة حادّة وغاضبة:
-ماذا تريد؟؟
قالها "عامر" متسائلاً باستغراب، ليردف إليه "أرسّلان" بهدوء:
-أريد التحدث مع "سالي" لـ خمس دقائق فقط!
-هي لا تريد التحدث معك.
كان في الخلفية "راشد" الذي تحدث ظاهرًا إحترامه لـ "أرسّلان"  :
-تراجع يا "عامر" لا تتحدث مع أميرك هكذا  ! تفضل ياسيدي، أرجوك أدخل.
دخل "أرسّلان" يجلس على الأريكة، بينما كان "راشد" واقف بجانب "عامر" يوبّخه، لطريقة حديثه مع الأمير، ليجاوبه "عامر" بنبرة غير مُبالية:
-إنه أميرك، وأمير المدينة وسُكانها، ولكنه ليس أميري ولا أمير "سالي" كما تعلم.
جلسوا بجواره بعدما نادوا إلى "سالي" التي صدمت حين رؤيتها له، فرحت بعض الشيء، ولكنه تذكرت طرده لها من القصر، فجلست بملامح مجمدة، وهي تسأله بحده:
-نعم؟ كُلي آذان صاغية!
ابتسم "أرسّلان" أولاً لأنه رآها، وثانيًا لأنها سمحت له بالحديث معها.

مَدينة أرسّلان  || رنَـا محمود. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن