التقط منها اللوحة وهو يجاوبها بملامح حزينه:
-أنا سعيد بأنكِ جئت على غفلة ! لا يهم المكان الذي جئتِ منه، ولكنني لا أريدك أن تعودي ! سأفعل المستحيل لتظلي بجانبي، يجب عليكِ أن تساعدينني في ذلك.
ابتسمت بشرود وهي تومأ له برأسها، خرجت من غرفته وهي تغلق الباب ورائها، لم تشعر بنفسها إلا وهي تبكي، انهمرت دموعها دون شعور، لا تعلم لماذا تبكي، فهي تعلم منذ البداية بأن كل هذا يشبه بالحلم ! وحتمًا ستستيقظ منه، ولكنها تخشى أن تلك الحلم الجميل، يتحول لكابوس يظل عالق بعقلها مدى الحياة.
كانت ستذهب لغرفتها، ولكنها سمعت أصوات حديث قادمة من غرفة "رُقية" كان صوت "والدها" ظلت تقترب من الغرفة شيئًا في شيء، حتى أصبح الحديث واضح لها قليلاً، على الرغم من إنهم كانوا تقريبًا يهمسون:
-إذًا؟ ما الذي تنوي على فعله؟ فهو إنتصر عليهم اليوم، أخبر ذلك الأمير من المدينة الأخرى أن يستسلم، فهو لن يقدر على "أرسّلان".
قالتها" رُقية " بنبرة هادئة، لتضع "سالي" يدها على فمها بصدمه، فهي فهمت الآن بأن "ضياء" متحالف مع أمير المدينة الأخرى.. والذي كان يدعى "أبسم"، ركضت بعيدًا عن الغرفة، ودلفت إلى الأسفل، اتجهت نحو حافة البحيرة الموجودة في حديقة القصر، وجلست بشرود تفكر في مصيرهم، لتجد شخص ما يجلس بجانبها وكان " عامر" سألها بنبرة هادئة بعدما تنهد:
-ماذا تفعلين هُنا؟
لتردف إليه الأخرى بشرود:
-أفرَّغ أفكاري المشوَّشة في تلك البحيرة !
-وماهي أفكارك المشوَّشة تلك؟ أخبريني بها.
-اكتشفت لتوّي بأن "ضياء" متحالف مع "أبسم".
تنهد" عامر" بضيق، ليسألها بعدها:
- وإذا؟
نظرت إليه بعدم فهم وهي تسأله:
- ماذا تقصد؟
اعتدلت في جلسته بجانبها، ليردف إليها وملامحه يعتليها القلق:
-لا تكترثي لأي شيء هنا بعد الآن يا "سالي" همم؟ لا تهتمي من متحالف مع من، ومن ضد من، ومن في خطر ومن لا، كل ما تكترثي له في هذا العالم هو نفسك، دعينا نعود إلى عالمنا بأمان، حسنًا؟
عاودت "سالي" النظر إلى البحيرة بشرود:
-ولكن كيف أفعل ذلك يا "عامر"؟ أشعر بأنه مهم أكثر من نفسي.
تبدّلت ملامحه من قلق، إلى غضب:
-أتقصدين " أرسّلان" أليس كذلك؟
اكتفت بأنها أومأت له برأسها، لينظر أمامه وهو يضغط على أسنانه بضيق:
- لا أعلم لماذا تحبينه وتقدرينه هكذا، لماذا؟؟
نظرت إليه "سالي" بابتسامة حزينه لتردف إليه وهي تقف مستعدة للرحيل:
-ركّز على الشبه بينك وبينه يا "عامر" ستفهم.
أنهت جملتها وغادرته في حيرته، لم يفهم كلماتها، ولكنه شعر بأن الأمر مرتبط به.
في اليوم التالي دلفت "سالي" إلى الأسفل في الصباح، لتجد الجميع متواجد ألقت عليهم السلام، وجلست بجانب "عامر" الذي شرد بها عندما تذكر حديثها بالأمس، ليتحدث "ضياء" بابتسامة مصطنعة موجّه حديثه نحو "أرسّلان" :
- ألا يكفي هذا يا أمير "أرسّلان"؟ يتسائلون الناس بالمدينة عن موعد زفافكم أنتَ و" رُقية" ، أعتقد بأنه حان وقت زواجكم.
ابتسمت "رُقية" بسعادة من كلمات والدها.
ليبتسم "أرسّلان" كذلك ولكن ابتسامة غامضة:
- ولكنني بالفعل تغيَّرت نظرتي تجاه الحياة ياعمي، لم أعد افعل ما يجب علي فعله، بل أفعل ما أريد.
ليسأله "ضياء" باستغراب:
-ماذا تقصد؟
-أقصد بأنني لن أتزوج من "رُقية"!
وقعت تلك الكلمات على أذن " ضياء " و "رُقية" كالصاعقة الذي صعقت أبدانهم أما "سلَّام" فكان واقفًا بابتسامة واسعة، يحاول أن يداريها، أما "سالي" و "عامر" لم يكترثوا لهذه الكلمات، بل صدمهم الكلمات التالية:
-أنا بالفعل سأتزوج، ولكن من فتاة أخرى، فتاة أحبها، تحميني، وتساعدني، وليست أنانية تريدني لها لمجرد أنها تحبني حتى وهي تعلم إنني لا أحبها.
أنهى "أرسّلان" حديثه وهو ينظر إلى "رُقية" التي تجمعت الدموع في عيناها من شدة غضبها.
أما "سالي" فكانت تنظر له باستغراب شديد وهي في حيرة من أمرها أيعقل يكون قاصدها هي بكلماته!؟ لم تشرد كثيرًا حتى وقف "أرسّلان" من مقعده، واتجه نحو "سالي" التي وقفت من صدمتها من تقدمه نحوها، ظلت تنظر له باستغراب بينما يقترب نحوها شيئًا في شيء، كان الجميع ينظر لهم بدهشة، وصدمة، وقف عندما أصبح أمامها تمامًا، فابتسم هو ابتسامه طفيفة ثم حدّثها بنبرة واثقة، وهادئة:
-تتزوجيني يا "سالي" ؟ ، أنا أحبّك !
ثم أتبع حديثه بـ :
كوني أميرة لتلك المدينة، وأميرة لـ قلبي !
تعالت ضربات قلبها، ظلت ترمش بعيناها المتسعة من شدة صدمتها، نظرت إلى "عامر" الواقف خلف "أرسّلان" بملامحه الغاضبة:
-أأ، أنتَ فاجئتني، لا أعلم حقًا، ربما يجب أن تتركني أفكر بهذا الموضوع !
عقد "أرسّلان" حاجبيه ونبس بدهشة واضحة على وجهه:
-ماذا؟ أتريدين وقت للتفكير؟ أتمزحين معي؟ هل حقًا تريدين وقت للتفكير بينما أنا بتلك الوسامة والكاريزما؟ أتعلمين كم فتاة بتلك المدينة تتمنى فقط ابتسامة مني !
تغيّرت ملامح "سالي" من صدمة، لـ دهشة واستغراب، فهي حقًا مندهشة من نرجسيته تلك، لم تستطع كبح جماح نفسها، فأطلقت العنان لضحكاتها تملأ المكان على حديثه، نظر هو لضحكتها وابتسم هو الآخر دون شعور منه:
-حسنًا إذًا، سأعطيكِ مهلة لمدة أسبوع فكري جيدًا.
تركهم وذهب لغرفته، بينما غادرت "رُقية" أيضًا بغضب نحو غرفتها، وخلفها "ضياء" و "سلَّام"، أغلقوا باب الغرفة ورائهم، بينما ظلت " رُقية " تكسر كل شيء أمامها من شدة غضبها، للتوقف فاجأةً لتتحدث، بينما والدها مع "سلَّام" يقفون خلفها:
-من شدة حبي له، كنت أخشى عليه حتى من الهواء الطائر، كنت أستطيع التضحية بنفسي لأجله، ولكن الآن وبعد خيانته تلك، أريدكم تقتلوه ! بعدما تقتلوا تلك الحيوانة الصغيرة !! فلتقتلوهم جميعًا ! إحرقوا المدينة بأكملها !
أنهت كلمتها الأخيرة بصرخة عالية، في الأسفل مازالوا "عامر" و "سالي" واقفين غير مستوعبين لما قاله "أرسّلان" للتو، ليتحدث "عامر" بغضب:
- ما الذي ستفعلينه الآن؟ ها؟ جاوبيني؟ فهو يريد الزواج منكِ
-لا أعلم يا "عامر" لا أعلم
قالت جملتها وهي تفرك عيناها بتعب، ليتصدم "عامر" من دخول "راشد" القصر:
- عم "راشد"!! تعال وانظر لتلك الفوضى !! لقد قال
" أرسّلان " لـ ... :
-فلتوافقي !!
قطع "راشد" حديث "عامر" بتلك الكلمة، التي جعلتهم ينظرون له بصدمة، لتتحدث "سالي" بتوتر:
-ولكن كيف؟ فهو ..
ليقاطعها "راشد" ثانيًا :
-أتتذكرين كيف كانت نهاية الرواية؟؟ أتتذكرين كيف أنهيتي الفصل الأخير؟
أومأت "سالي" برأسها ثم جاوبته:
-الرواية انتهت على أن "أرسّلان" علم بشأن خيانة عمه، وأمر بسجنه مدى الحياة، وكذلك "رُقية" و "سلَّام" لأنهم خانوه بالنهاية، واصبح هو وحيد في القصر يُعاني.
أومأ لها "راشد" برأسه:
-بالطبع ! تلك نهاية مأساوية للغاية !! وبما إنكم جئتم إلى هنا، فبالتأكيد ستتغير النهاية، ولذلك يجب أن تنتهي نهاية سعيدة حتى تعودوا.
ليتحدث "عامر" بغضب:
-ولكن كيف ستتزوجه؟ هذا مستحيل.
-إنها لن تتزوجوا بالمعنى الحرفي، إنها فقط ستوافق على عرض الزواج منه، وسيمُر كل شيء بطريقة طبيعية حتى موعد الزفاف، وبعد كشف حقيقة "ضياء" وإبنته ومساعده، ستستطيعون أنتم العودة لعالمكم، ولكن بعدما تنتهي الرواية بنهاية مُرضية!
تركهم "راشد" وغادر، كانوا يشعرون بالكثير من المشاعر، الصدمة، الاستغراب، عدم الإستيعاب، كانت أفكارهم مشوَّشة، بالطبع إنها كانت تمتلك مشاعر نحو "أرسّلان" ولكن ليس لدرجة أن توافق أن تتزوج منه! فهو شخصية خيالية على كل حال .
أنت تقرأ
مَدينة أرسّلان || رنَـا محمود.
Fantasyأحيانًا يرغمنا واقعنا المُر لأن نَلقي بأنفسنا في بحور الخيال، لتبحَر بِنا الرياح إلى أبَعد مدىٰ حيث -خط الأفق- ولكن ماذا إذا في لحظة واحدة بغتةً نجد أنفسنا بداخل هذا الخيال نعيشه واقعًا بكُل تفاصليه؟ هل سيكون مُمتع كما كان في مُخيّلتنا؟ أم إننا فَ...