الفصل الثالث وعشرون.

7 1 0
                                    

في اليوم التالي استيقظت "سالي" على طرق باب غرفتها، فسمحت لـ الذي بالخارج بالدخول، وكانوا خادمات إناث، يدخلون واحدة تلو الأخرى، ومعهم الكثير من الملابس، ومساحيق التجميل، والإكسسوارات باهظة الثمن والأنيقة، فاستغربت من كل ذلك فسألتهم بدهشة:
-ما كل هذا؟
فألقت عليها أحد الخادمات التحية باحترام:
-إنها أشياء إشتراها لكِ سمو الأمير، ياسيدتي.
تركوها وغادروا، بينما هي ظلت تنظر لكل ذلك وهي تردد بداخلها:
-سيدتي؟ يا إلهي، هل أصبحت حقًا مهمة لتلك الدرجة.
أنهت جملتها وهي تضحك على حالها، فذهبت لتأخذ حمامًا ساخنًا، ثم لبست أحد الفساتين والتي كان باللون البنفسجي الداكن، كان طويل وأكمامه واسعة، زيّنت عُنقها بأحدى القلادات أيضًا، وتركت العنان لشعرها يتطاير أعلى كتفيها، دلفت للأسفل تحت نظرات "أرسّلان" و "عامر" المُغرمة.
فـ لكم "أرسّلان" "عامر" في ذراعه بخفة:
-مابكَ تنظر لإمرأتي هكذا؟
كان سيردف إليه "عامر" بغضب ولكنه تمالك نفسه.
جلست "سالي" وهي تسألهم عن مظهرها، فيجاوبها "أرسّلان" بابتسامة واسعة:
-تبدين مذهلة! إنهم يلائمونك حقًا.
فغضب "عامر" وهو يجاوبها:
-لا أعلم، يبدو بأن هناك شيء خاطئ! هذا الفستان لونه بشع، كما إن تلك القلادة مُبالغ بها قليلاً، مظهرك سيء.
أنهى حديثه وهو يتركهم ويذهب، كان "أرسّلان" لا يفهم ردة فعله هذه، فكان للتو ينظر لها باندهاش، ولكن "سالي" كانت تعلم ردة فعله ماسببها، وهي بالطبع الغيرة!
فأصدرت ضحكة خفيفة على تصرفات "عامر" الطفولية.
فأخبرها "أرسّلان"  بأنهم سيذهبون في المساء لشراء فستان الزفاف، فتوترت "سالي" وتلاشت ابتسامتها ببطئ، فهي لا تعلم لماذا تشعر بالقلق تجاه ذلك الزفاف، ولكنها أعادت ابتسامتها وهي تومأ له برأسها، وبالفعل في المساء صعدوا بالعربة الذي يقودها أحد الحرّاس وذهبوا إلى أحسن أسواق المدينة، والذي لا يبيع سوى الأشياء باهظة الثمن  .. فدخلوا إلى عدة محلات ولكن لم تحب "سالي" الفساتين الموجودة بها، وفي محل آخر، أعجبت "سالي" جدًا بفستان، كان من قماش "السَتَان" واسع قليلاً من الأسفل، وأكمامه من "التُل" مطرّزة ببعض الخَرز، فقررت "سالي" أن تجرّبه، بعدما أعجب به "أرسّلان" للغاية، وبالفعل إرتدته "سالي" وخرجت إلى "أرسّلان" الذي فور رؤيتها به، اتسعت ابتسامته، ولمعت عيناه من شدة إعجابه برؤيتها مرتديه الفستان، فقرروا شراؤه، ثم بعدها قاموا بشراء ملابسه الذي سيرتديها في الزفاف هو الآخر، والتي كانت عبارة عن سترة زرقاء، مطرّزة باللون الذهبي، وبنطال باللون الأبيض، وبالفعل بعد إنتهائهم من التجول صعدوا بالعربة ثانيًا متجهين نحو القصر، كان "أرسّلان" يجلس بجانبها ويتمعن بها، لا يصدق بأنه خلال أيام بسيطة سيتزوج بها، فابتسم ثم حدّثها متسائلاً:
-أيمكنني أن أمسك يدك؟
لم تستطع المسكينه الرد من صدمتها، فتتفاجئ به يضع يده على يداها، تسارعت ضربات قلبها وكاد أن يتوقف، ولم يأتي في بالها سوى "عامر"  وهي تتخيل ردة فعله عندما يراهم متشابكين الأيدي، فتخيلته واقفًا كما كان يقف يشاهدهم وراء حائط المطبخ، ويناظرها بنظرات غاضبة، فأطلقت شهقة فور تخيلها للأمر، ثم سحبت يدها مسرعة تحتضنها بالأخرى، فيستغرب "أرسّلان" من ردة فعلها ثم يسألها بفضول:
-مابِكِ؟ هل ضايقتك؟
لتنفي الأخرى برأسها:
-لا مطلقًا  ! كل ما في الأمر إنني ليست معتادة على ذلك  !
أومأ الآخر برأسه وهو يبتسم من خجلها، وبعد لحظات قليلة وصلوا إلى القصر فدخلوا سويًا بينما ورائهم الحارس يحمل الأشياء التي إشتروها، كان "عامر" يجلس غاضبًا من خروجهم وحدهم، عند دخولهم إرتاح قليلاً، ولكنه مازال يشعر بالغيرة، كان سيذهب إلى غرفته ليمسكه "أرسّلان" من ذراعه، نظر له "عامر" باستغراب:
-أريد التحدث معك قليلاً!
فنظر "عامر" إلى "سالي" التي لم تكن تعلم ماذا يجرى، ليترك "أرسّلان" يد "عامر" بينما يتبع حديثه:
-أنا أعلم إنك لا تحبني، لا أعلم لماذا ولكنني رغم كرهك لي أثق بكَ، وأعلم إنك تمتلك قلب نقي، لذلك قررت أن أجعلك مساعدي الشخصي  !
عقد "عامر" حاجبيه وهو يسأله:
-ماذا؟ وهل هذا شيء يُقرر دون الرجوع لي، وسؤالي؟
فابتسم "أرسّلان" وهو يربت على كتف "عامر":
-إنه قراري وحسب، أنا أعلم بأن الخطر علينا لم ينتهي إلى هنا، لذلك أريدنا أن نتحد، وتكون مساعدي الشخصي، في نفس الوقت تضع أولويتك هي" سالي" تحميها في دون وجودي.
ليبتسم "عامر" وهو يعقد ذراعيه ببعضهما:
-هذا شيء مؤكد، سأفعله حتى دون طلبك لذلك.
ليردف إليه "أرسّلان" وهو متجهًا نحو غرفته:
-إذًا، هنيئًا لكَ وظيفتك الجديدة  !!

ظلت واقفة هي تنظر لـ "عامر" بـ حيرة، ليحدّثها غاضبًا:
-قولي لي لمتى سأظل أصبر على تصرفات تلك الأبله؟
لتبتلع "سالي" ريقها وهي تجاوبه:
-لحين نعود.
ثم تتبع حديثها وهي متجهة نحو غرفتها:
-كما إنه ليس أبله!
بعثر الآخر شعره بضيق وهو يشعر بأنه سيجن من تصرفات هؤلاء الإثنين.
ظلّت تمُر الأيام، ولا شيء مميز يحدث، حتى تبقىٰ على الزفاف يومين فقط، كانت "سالي" تشعر بالتوتر والقلق كلما أقترب موعد الزفاف، تشعر بأن الكثير من الأحداث الغير عادية ستحدث حينها، فحاولت تبعد تلك الأفكار عنها وهي تنظر لتلك الفستان الخاص بالزفاف، المعلق بالخزانة، فوقفت تتفحصه وهي تبتسم، أحقًا سترتدي خلال يومين فستان زفاف؟ ولزواجها من الأمير "أرسّلان"؟ حسنًا لربما سيكون زفاف مزيف، ولن يكتمل ولكنها مازالت تشعر بشعورٌ غريب، فقررت أن ترتدي الفستان مرة أخرى حتى تعتاد عليه، فارتده ووقفت أمام المرآة تنظر لنفسها وتبتسم، لتسمع حينها طرقات باب غرفتها، وتسمح لمن بالخارج بالدخول، فتتفاجئ بأنه
" عامر" الذي لمعت عيناه وارتسمت ابتسامة طفيفة على ثغره فور رؤيته لها بالفستان هذا، فكانت حقًا تشبه الأميرات، فلاحظ ردة فعله وأعاد ترتيب ملامحه للجدية، وحمحم وهو يتجه نحوها:
-لماذا أرى على ثغرك ابتسامة واسعة؟؟ وتتملكك البهجة؟ هل أنتِ سعيدة بهذا الزفاف وهذا الفستان؟
تجمدت ملامح "سالي" ثم جاوبته:
-حسنًا، ليست سعيدة بالزفاف نفسه، على كلً فهو  مزيف، ولكنني فقط سعيدة بهذا الفستان، إنه يبدو رائع.
ليجاوبها "عامر" وهو يبعد خصلة من شعرها خلف أذنها:
-إنه ليس بذلك الجمال، أنتِ فقط من تجعليه رائع بجمالك، أعدك حين سنتزوج سأشتري لكِ فستانٌ أجمل من ذلك بكثير.
لتبتسم وهي تسأله:
-هل سنتزوج؟
لتتلاشى ابتسامته على سؤالها الغبي:
-أليس هذا مايفعله كل إثنين يحبون بعضهما؟
لتومأ برأسها وهي تجاوبه:
-ولكنني لم أفصح لك عن ما أشعر بعد.
-لا بأس! يكفي إنني أحبك!
مازال واضعًا يده ممسكًا بخصلتها وراء أذنها، ليتفاجئوا الإثنين بغتة بدخول "أرسّلان" الذي عندما سمع دخوله "عامر" وهو مازال يلمس شعرها بهذه الطريقة على الفور مثل بأنه يصفعها بمزاح:
-أيتها الغبية، لا تعبثي معي!
إقترب منهم "أرسّلان" وهو يسألهم باستغراب:
-ماذا يحدث هنا؟
لتجاوبه "سالي" وهي تتلعثم:
-آه، لا شيء كنا نتشاجر كالعادة.
ليومأ "أرسّلان" برأسه بـ شك، ثم يوجه حديثه نحو "عامر":
-ولكن أيها الحارس الشخصي؟! لا تلمس إمرأتي ثانيًا.
قالها قاصد  "سالي" ليضغط "عامر" على أسنانه بقوة، عند سماع كلماته، وضغط قبضته بشدة خلف ظهره، متمنيًا أن يلكمها في وجه "أرسّلان" ماذا قال؟ "إمرأته"؟  كيف يجرؤ أن يتفوه بتلك الكلمة، فابتسم ابتسامة مزيفة وهو يجاوبة بضيق:
-سأغادر، قبضتي تؤلمني، تريد لَكم أحدهم.
غادر بعد إنهاء حديثه، بينما تجاهل" أرسّلان " كلماته، أما "سالي" فوقفت تبتسم بصمت

مَدينة أرسّلان  || رنَـا محمود. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن