الفصل السابع عشر.

8 1 0
                                    

طلب "أرسّلان" من "راشد" أن يتركهم قليلاً، فوقف "راشد" ممسكًا بيد "عامر" يريده أن يخرج معه، ولكن رفض "عامر" بشدة أن يخرج، ليبتسم "أرسّلان" على موقف "عامر" وهو يخبر "راشد" بلطافة:
-حسنًا، دعه وشأنه.
خرج "راشد" وتركهم، ليعتدل "أرسّلان" في جلسته وهو موجّه حديثه نحو "سالي"  :
-ولنفترض بأنني صدّقت حديثك عن عمي، هل لديكِ دليل؟
اندهشوا هي و "عامر" وتبادلوا النظرات، ثم عاودت النظر إلى "أرسّلان":
-حسنًا، في الوقت الحالي ليس لدي دليل، ولكن من السهل الحصول على واحد  !
-إذًا  ! أطلب منكِ أنتِ و" عامر" العودة للقصر.
لتبتسم "سالي" بحزن وهي تجاوبه:
-عذرًا سيدي الأمير! ولكننا ليست ألعاب متحركة، تحرك بها ماشئت، وأينما شئت! نحن نرفض عودتنا إلى قصرك.
لتتجمد ملامح "أرسّلان" وهو يجاوبها:
-حسنًا، فسأغير صيغة حديثي، إنه ليست طلب، بل أمر من أمير المدينة  ! وأنتِ تعلمين العواقب حين تعصي أمر من الأمير  !
في حلول المساء، بالفعل عادوا "عامر" و "سالي" إلى القصر، تحت صدمة من "ضياء" و "رُقية" فظنوا بإنهم تخلصوا منهم وللأبد! ولكن ظنّهم خاطئ!
تركهم "أرسّلان" وذهب إلى غرفته، لتتقدم "سالي" نحو "ضياء" و "رُقية" لتصبح أمامهم مباشرة  :
-ماتلك الملامح التي تعتلي وجوههكم؟ هل أعتقدتم بتلك السهولة إنكم تخلصتم منّا؟ خَسئتم!
صعدت لغرفتها وورائها "عامر" الذي رمقهم بنظرة ساخرة، كان يقف "ضياء" وإبنته في حالة من الغضب، والاستغراب والكُرهه!
كانت جالسة بغرفتها غارقة في أفكارها، حتى تستمع لعدة طرقات على بابها، فتسمح بالدخول لمن بالخارج ثم تجده "عامر" الذي دخل غالقًا الباب خلفه، وجلس أمامها على أحدى المقاعد:
-والآن؟ ماذا سنفعل؟ كيف ستأتي بدليل يثبت خيانة عمه؟
تنهدت "سالي" قبل أن تجاوبه:
-لا أعلم، ولكنني حتمًا سأجد دليل  !
اومأ برأسه قبل أن يجاوبها:
-لا تضغطي على أعصابك، فقط أتركي الأمور تمشي كما هي!! وأيضًا، إحذري على عدم أخذ أي خطوة بدوني! حسنًا؟
ابتسمت وهي تومأ له برأسها.
في اليوم التالي دلفت إلى الأسفل لتجد الجميع جالس يتناول الفطور، تلقي عليهم السلام وتجلس بصمت جانب "عامر" وفي ظل تناولهم الطعام جاء أحد الحرّاس إلى "أرسّلان" يخبره بأن أمير المدينة المجاورة، والذي هو عدو لـ "أرسّلان" ويريد إلحاق الضرر به وبالمدينة، يبعث الآن قوارب بها جواسيس وحراس تابعة له، ويطلقون النار بطريقة عشوائية تجاه المدينة، وذلك نتيجة لعدم موافقة "أرسّلان" لضمّ المدينتين معًا!
خبط "أرسّلان" يده بقوة على المائدة، وهو يجاوب على حديث الحارس:
-ماهذا الهراء؟؟ أتعبث معي؟ أين الحرّاس المائيين والذين يقفون على النواحي الساحلية مستعدين لأي هجوم، هل هم نائمين؟ أتريدون القتل جميعًا  !
أنهى كلمته الأخيرة بنبرة عالية وحادّة، صدى صوته رجّ جميع أنحاء القصر  .. ليجاوبه الحارس بخيبة أمل:
-آسف ياسيدي، ولكن هؤلاء الحرّاس بالفعل نصفهم لقى حتفه بسبب الطلق العشوائي  ! والآخر يقاتل بكل جهده، ولكن حرّاس العدو عددهم أكبر! يقف "أرسّلان" وهو يمسك ب سلاحة، بينما يردف إلى الحارس:
-ضاعف عدد الحرّاس لدينا، أأمر بنزول عدد أكبر من الحرّاس المتدربين، وأمروا السُكان بالمكوث في منازلهم لا نريد أي إصابات أو قتلى  !
-حسنًا سيدي!
قالها الحارس بصوت عالي بينما يفعل له التحية، إتجه "أرسّلان" نحو بوابة القصر ووراؤه "ضياء" والكثير من الحرّاس، كانت "سالي" تنظر له بفخر، فهذه مرّتها الأولى لرؤيتها له كأمير حقيقي، يعطي الأوامر، وجاهزًا للقتال والدفاع عن مدينته وسكانها، لم تشعر بنفسها إلا وهي تركض ورائه وتستوقفه من ذراعه، ليلتفت إليها بصدمة من فعلتها، وينظر لها بحب شديد، لتحدّثه هي بملامح قَلقه ونبرة حزينه:
-لا تتأذى  !
ابتسم هو بشرود، محاولاً أن يطمئنها:
-لا تقلقي، عودي للداخل فالأجواء بالمدينة خطر الآن  !
بالفعل عاودت للداخل وهي تنظر إليه بينما يبتعد شيء في شيء، كانوا "رُقية" و "عامر" ينظرون لهم بغرابة، وغضب، وغيرة، خصوصًا "عامر" الذي كان يشعر بالغضب الشديد لتصرفاتها معه، لقد طردها من القصر، وأعادها للقصر بأمر منه وبالغصب، ومازالت تخاف عليه، وتهتم لأمره  !

في أرض المعركة كان العدو يطلق العديد من الطلقات العشوائية  ! وكانوا حرّاس "أرسّلان" يبادلوهم الطلق أيضًا، ويصوبون نحو القوارب الذي يعتلوها، فاستطاعوا إغراق بعض منها، والبعض الآخر ظلوا صامدين يتفادوا الطلقات ويطلقوا بالمزيد من الطلق الناري، كان "أرسّلان" واقفًا يشاهد ذلك الموقف، وينظر عن قرب بالنظارات المكبرة، يجد بأن الأمور تزداد سوءًا  ! فيطلب من الحرّاس التوقف عن طلق النار، ويجهزون القنابل، وبالفعل أوقفوا طلق النار، وبدأوا في إلقاء القنابل على قوارب العدو، الذي وفاجأةً أوقفوا طلق النار، هم الآخرين بعدما تفجر نصف القوارب المتبقية، وتلقوا أمر من أميرهم بأن يتوقفوا عن إطلاق النار، والعودة لمدينتهم، بعض القليل من الوقت لاحظ "أرسّلان" وحرّاسه إنسحاب قوارب العدو وعودتهم، ليبتسم "أرسّلان" بغضب وهو يتمتم بهدوء:
-هكذا إذًا، إنسحبتم كالفئران.
ليوجّه حديثه نحو حارسه الشخصي:
-إطلب من الحرّاس العودة، وأحرس على دفن الحرّاس الذي قد ماتوا، وإرسال المال والتعويضات لعائلاتهم، أما المصابين فأحرس على مساعدتهم الطبية على الفور.
-حسنًا سيدي!
أجابه حارسه الشخصي بنبرة عالية، وهو يعطيه التحية.
بعد ساعة تقريبًا عاد "أرسّلان" إلى القصر، حيثما كانت "سالي" تقف ذهابًا وإيابًا من القلق عليه، فور دخوله من باب القصر كانت ستركض نحوه، لولا تدخل تلك الغبية "رُقية" التي ركضت نحوه تتفحصه وتسأله إذا كان تأذى، ليجيبها وعيونه متمركزة نحو "سالي":
-لا تقلقي! أنا بخير تمامًا، وعُدت منتصرًا سالمًا  !
كان الأمر يبدو وكأنه يردف إلى" رُقية " ولكنه في الحقيقة كان يقصد "سالي"  أنهى حديثه بابتسامة وهو ينظر لها، غير مُبالي ب "رُقية" التي كانت تقريبًا تتحدث مع نفسها، حتى لاحظت بأنه لا يراها بالأساس.
اعتدلت في جلستها وهي تشعر بالحرج من تجاهلها له، ابتسمت "سالي" باطمئنان من كلماته، فهي كانت قلقة جدًا عليه.
في المساء كان يأخذ حمامًا ساخنًا في غرفته، وخرج بشعره المبعثر والمبلل، ليجد أحدًا ما يطرق على بابه، سمح له بالدخول ويتفاجئ بأنها "سالي" فور دخولها شعرت بالصدمة من وسامته وهو يقف بشعره المبلل المنسدل على عيناه، ولوهلة تذكَّرت "عامر" حين كان بالورشة يعمل وشعره كان مبلل أيضًا ينسدل على عيناه، فابتسمت وحدّثت نفسها بأنهم بالطبع متشابهين، لدرجة مثالية، حمحمت ودخلت غالقة الباب ورائها، ولكنه تفاجئ بوجود اللوحة التي كان راسمها لها من قبل:
-هنيئًا لكّ على إنتصارك اليوم!
قالتها بابتسامة، ليبادلها الابتسام وهو يجاوبها:
-شكرًا لكِ، ولكن  .. ما الذي بيدك؟
نظرت لـ اللوحه بابتسامة وهي تمدها نحوه:
-إنها تلك اللوحة التي رسمتها لي، في الحقيقة فكرت بالموضوع بعض الشيء، وتيقنت بأنك محتاج لتلك اللوحة أكثر مني  ! لا أحد يعلم، ربما لن أبقى هنا كثيرًا  .. ستكون تلك الوسيلة الوحيدة لرؤيتي بها.
ليعقد حاجبيه وهو يسألها:
-ماذا؟ أتنوين الذهاب لمكان؟؟!
تلاشت ابتسامتها وهي تجاوبه:
-ربما  ! إستمع يا "أرسّلان"! أنا يمكن أن كذبت عليك بشأن المدينة الذي قُلتها لك  ! ولكن  .. أنا جئتُ من مكان بعيد للغاية، لا يمكن الوصول إليه بالمشي قدمًا، أو حتى بالعربة أو بأي وسيلة أخرى  ! جئت على غفلة، وربما سأعود على غفلة أيضًا، لذلك يجب أن تكون تلك اللوحة معك أنت  !

مَدينة أرسّلان  || رنَـا محمود. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن