عادوا إلى القصر، ليجدوا "عامر" جالسًا في هدوء، لم يعطيهم أي إهتمام، ذهبت إليه "سالي" لتريه بحماس الفستان:
- "عامر" أنظر ماذا إشترى لي الأمير "أرسّلان".
ليرمقها هي و الفستان بنظرة غاضبة لينبس قبل أن يقف من مكانه ويذهب إلى غرفته:
-إنه سيء ! يشبهك تمامًا.
ظلّت تنظر إليه" سالي" بتعجّب لتنظر إلى "أرسّلان" أيضًا وهي تردد بذهول:
-مابه هذا؟
ليجاوبها "أرسّلان" وهو يرفع كتفيه:
-لا أعلم !
في المساء كانوا يجلسون كما كانت تقف "فريدة" رئيسة الخدم تتحدث مع "أرسّلان"، ليحدّثها" أرسّلان " بتحذير:
- كوني متأكدة ألا يحدث أي أخطاء بالغد يا "فريدة" أنتِ تعلمين بأن هذا الحدث مهم جدًا، لذا باشري على كل شيء بنفسك من أول الطعام حتى الموسيقى الذي ستعزف في الحفل، لا أريد أي شيء خاطيء أو غريب، حسنًا؟؟
لتجاوبه وهي تحني رأسها قليلاً باحترام:
-حسنًا ياسيّدي، لا تقلق، كل شيء سيكون مثاليًا ورائع.
-شكرًا لكِ !في صباح اليوم التالي كانت "سالي" تتجهز وتظبط شعرها وتضع بعض مساحيق الجمال، وكان الفستان عليها يجعلها كالأميرة !
خرجت من غرفتها تنظر إلى الأسفل لتجد بالفعل أشخاص كثيرون جدًا ! والعازفون يعزفون الموسيقى الهادئة، أما "أرسّلان" فكان بقف ببذلته البيضاء الكلاسيكيّة، وأعلى شعره المنسدل على عيناه التاج، الذي يليق به، كان يبحث في كل مكان بعيناه وكأنه يبحث عنها، وزّعت نظرها على الجميع لتجد "عامر" يجلس على إحدى المقاعد في هدوء ببذلة سوداء كلاسيكيّة أنيقة، يرفع خصلات شعره للأعلى بطريقة جذابة، ولكن كان يعلو ملامحه بعض الشرود والغضب، كانت خائفة قليلاً ومتوترة من كثرة الأشخاص الموجودين بالأسفل، ولكنها استجمعت قواها ودلفت إلى الأسفل، حين ظهورها بمنتصف القصر بدأت تتمركز عيون الجميع عليها، سواء كانوا رجالٍ أو نساء، الجميع ظل يتمعّن بها وبجمالها الطبيعي الرقيق، نظرت "رُقية" إليهم بحقد وإلى نظراتهم لها، فكانت يومًا بعد يوم، غيرتها وحقدها تزداد نحو "سالي" بدأ الجميع يتحدث في ذهول من هذه الفتاة الجميلة؟ حتى تقدّم "أرسّلان" نحوها ليقف بجانبها بابتسامة لطيفة وهو يحدّثهم:
-أقدم لكم، "سالي" مساعدتي الشخصية.
حيّتهم هي بخجل بينما حيّاها الجميع أيضًا، فهي كانت قادرة على جذب إنتباههم بجمالها وإعجابهم بها.
ظلّت تتحدث مع "أرسّلان" الذي أبدى إعجابه بها بالفستان ثم إستأذن منها ليستقبل بعض الضيوف، لتلاحظ هي "عامر" الذي كان ينظر لها بإعجاب ولكن فور رؤيتها له بعد نظرها عنه، لترفع فستانها وتذهب إليه تجلس على أحدى المقاعد أمامه:
-مابكَ؟؟ ها؟؟ لماذا تتجاهلني وتعاملني بهذه الطريقة؟
ليجاوبها محاولاً التمثيل:
-طريقة؟ أي طريقة؟ فأنا طبيعي تمامًا!
"عامر" لا تعاملني هكذا إذا ضايقتك بشيء فقط قُل لي حتى أعتذ عن فعلتي لا تتركني حائرة هكذا.
-لا تشغلي رأسك ! فقط استمتعي بالحفل.
غضبت منه "سالي" لتقف وتذهب مبتعدة عنه، ليأتي إليها "سلّام" :
-مرحبًا ! أيمكنني إبداء إعجابي الشديد بكِ اليوم؟
لتقلب "سالي" عيناها بملل وهي تجاوبه:
-إخبرني، هل تعافت يديك من المرة السابقة؟ أين تريد الإصابة هذه المرة ها؟؟
حمحم "سلّام" وهو يجاوبها:
- لماذا تأخذين الأمور على محمل الجدية هكذا؟
-إغرب عن وجهي!!
قالتها وهي تناظرة بغضب وحِدة.
ليقطع حديثهم، كلمات "أرسّلان".
- اليوم سأفعل شيء أنتم غير معتادين عليه، ولم أفعله من قبل، ولكن أحدًا ما أخبرني بأن أعيش حرًا وأفعل كل ما أريد فعله وليس ما يجب عليّ فعله، ولذلك فأنا أريد أن أرقص رقصة مع فتاة هنا...
كان يكمل حديثه وعندما إستمعت إليه" رُقية " إبتسمت بشدة ووقفت وهي تعدّل من مظهرها مستعدة للرقصة ولكن يفاجئها "أرسّلان" بفعلته، عندما يذهب متجهًا نحو "سالي" التي كانت تنظر إليه بصدمة:
-هل تقبلين بتلك الرقصة؟؟
كانت تنظر إليه "سالي" بتردد ولا تعلم بماذا تردّ، حتى أمسك بيدها، وسحبها نحو ساحة الرقص، بدأوا العازفين بعزف موسيقى ناعمة ومحمّسة في نفس الوقت، وعلى الرغم من إن "سالي" لا تستطيع الرقص الكلاسيكي هذا، إلى إنها تركت نفسها لأنغام الآلات والعازفين تحرّكها، تركت نفسها تتراقص وتتمايل وتقلّد حركات "أرسّلان" ليتناغموا سويًا تحت أنظار الجميع المُحبة لسحرهم سويًا، أما "رُقية" و "عامر" كانوا ينظرون إليهم بغضب شديد، كانت "رُقية" تستشيط غضبًا من "سالي" أما "عامر" فكان يومًا بعد يوم يشعر بأن "أرسّلان" يستحوذ على "سالي" وقلبها وعقلها شيءٌ في شيء، وهذا الشيء كان لا يعجبه بتاتًا .. إنتهت الرقصة تحت تصفيق الحضور الشديد، بينما "سالي" و "أرسّلان" ينظرون إلى بعضهم البعض، وكأنهم في عالمٌ غير العالم، عالم لا يوجد به سوى هو وهي، وبعض الألحان الذين كانوا يرقصون عليها، قطع تلك التواصل البصري سماعهم للأشخاص وهم يصفقون لهم، عاد الجميع لما كانوا يفعلوه، حتى تحدّث "أرسّلان" إلى "سالي" بابتسامة طفيفة:
-رقصك رائع !
ابتسمت "سالي" بخجل وهي تجاوبه:
-إنني لا استطيع الرقص! انا فقط كنت أقلد خطواتك، إذًا فمن يرقص جيدًا هو أنتَ !بعد إنتهاء الحفل وذهاب الحضور ظلّت "سالي" تبحث عن "أرسّلان" لتجده جالس في الحديقة على حافة البحيرة، حيث القمر الساطع واضحًا على سطح المياة، جلست بجانبه وهي تعطي له علبة صغيرة:
-كل عام وأنتَ بخير، وأتمنى لك حياة طويلة، وسعيدة!
-وأنتِ بخير !
أخذ منها العلبة بابتسامة يفتحها ليجد بداخلها خاتم فضيّ على شكل طائر يفرد جناحيه، اتسعت ابتسامته وهو ينظر إلى الخاتم، لتتحدث هي أولاً:
-أتتذكر حين أخبرتك أن تعيش حرًا؟؟ أتمنى أن ترتدي ذلك الخاتم، وتعيش حرًا تمامًا كذلك الطائر الحُر الذي يفرد جناحيه، كُلّما شعرت بأنك مُجبر أن تكون مربوط الجناحين كما لو إنك محبوس فقط تذكّر كلماتي وأنظر إلى هذا الخاتم، وقرر أن تتمرد، عِش دائمًا بنصيحتي، سواء كنتُ معك أم لا.
لينظر إليها باستغراب وهو يجاوبها:
-لماذا؟ هل تنوين إلى الذهاب لأي مكان؟
ابتسمت وهي تنظر لإنعكاس القمر الموجود على الماء:
-مَن يعلم، فإن تقلّبات تلك الحياة دومًا عكس توقعاتنا، تفاجئنا كثيرًا بأشياء ليست في الحسبان.
يومأ "أرسّلان" برأسه وهو يرتدي الخاتم بينما يجاوبها:
-على الرغم من معكِ حق، ولكنني أتمنى ألا تذهبي إلى أي مكان بعيدًا عن هذا القصر !
نظرت إليه وهي تبتسم ابتسامة حزينة، لأنها تعلم بإن يومٌ من الأيام بالفعل سترحل، ليس فقط من هذا القصر، بل من عالمه كله !في غرفة "رُقية" كانت تُكسر كل شيء بها من شدة غضبها ليدخل إليها "سلّام" بابتسامة ساخرة:
-يا إلهي ! على مايبدو بأنك غاضبة للغاية، كطفلة سلبت منها لعبتها المفضلة !
إلتفتت إليه "رُقية" بغضب وهي تردف إليه بحِدة:
-ماذا تريد أيها الأحمق !
لتتسع أعيُن "سلّام" بصدمة وهو يجاوبها:
-ماذا؟ أحمق؟ لماذا كل الفتيات وقحين معي دائمًا ها؟
قلبت "رُقية" عيناها بملل بينما تجلس على سريرها تلهث من شدة غضبها، ليتابع "سلّام" حديثه وهو يتجول في غرفتها:
-غضبك هذا كله بسبب "سالي" و "أرسّلان" أليس كذلك؟؟
أومأت برأسها إليه دون أنت تنظر له، ليبتسم بغضب قبل أن يجاوبها:
-هل أخلصك منهم؟ أتريدين مني قتلهم؟؟ "رُقية" أنتِ تعلمين إنني أحبك أليس كذلك؟ وأهتم لأمرك أكثر من "أرسّلان" ذلك، ماذا إذا قتلتهم؟ لتصبحين لي، ولتصبح المدينة للسيد "ضياء"؟
لتقف" رُقية " بغضب تلتقط بسكين موضوع بجانب طبق فاكهة على الطاولة وهي تضعه على عنقه وتهدده:
- "سلّام" أنا أحذرّك من الإقتراب من حبيبي، أتفهم؟ إذا أردت أن تقتل فقط إقتل تلك الوقحة التي تدعى "سالي" أما إذا مسست شعره من "أرسّلان" سأفصل رأسك عن جسدك، وأعلقه بمنتصف المدينة لتكون عبرة للجميع أتفهم؟
أزاح "سلّام" السكين عن عنقه برفق، بينما يجاوبها بابتسامة جانبية:
-حسنًا حسنًا، على مايبدو بأنك تحبين جدًا الشعور بالألم والقهرة، وتحبين كونك الطرف الأكثر حماسة، وتعشقين أن تحبينه من طرف واحد، فستندمي عند فوات الآوان!
أنهى حديثه وهو يخرج من غرفتها غالقًا الباب وراءه
أنت تقرأ
مَدينة أرسّلان || رنَـا محمود.
Fantasyأحيانًا يرغمنا واقعنا المُر لأن نَلقي بأنفسنا في بحور الخيال، لتبحَر بِنا الرياح إلى أبَعد مدىٰ حيث -خط الأفق- ولكن ماذا إذا في لحظة واحدة بغتةً نجد أنفسنا بداخل هذا الخيال نعيشه واقعًا بكُل تفاصليه؟ هل سيكون مُمتع كما كان في مُخيّلتنا؟ أم إننا فَ...