الفصل العاشر.

8 1 0
                                    

جلست "سالي" بجانب "أرسّلان" بينما أمامهم الرجُل الذي يريد العمل مع "أرسّلان" وخلفه حرّاسه يقفون، ظل يتحدث هو و "أرسّلان" وظلت تتمعن "سالي" في تصرفات ذلك الرجل وطريقة حديثه ونظراته، بالطبع "سالي" لا تستطيع قراءة الأفكار، ولكنها ستعتمد على حدسها، هي تعلم نوايا وأفكار شخصيات روايتها فقط، إنما الشخصيات الذي لم تكتبهم هي ويعيشون بالمدينة فهي لا تعلم نواياهم وأفكارهم، إنما هي تثق في حدسها، كان الرجل لا يثير شكوكها، فأخبرت "أرسّلان" بأن نواياته جيّدة وأفكاره تجاه "أرسّلان"، ليبتسم إليها" أرسّلان " وهو يخبره بأنه موافق على العمل معه.

كان "عامر" يجلس بغرفته، يستشيط غضبًا من ما فعله "ضياء" ب "سالي" كان لا يستطيع منع نفسه من فعل شيء، خرج من غرفته غاضبًا تجاه غرفة "ضياء" يدخل إلى غرفته ويغلق الباب بكل عصبية، ليقف "ضياء" مستعجبًا من تصرف "عامر" ليسأله بغضب:
-ما تلك الطريقة الهمجية؟؟
لم يكمل حديثه ليفاجئه "عامر" بلكمة قوية في وجهه، ليمسكه من ملابسه موجّه وجهه إليه:
-إسمع أيها العجوز المخرّف، أستطيع أن أتغاضى عن كل شيء سيء ممكن أن تفعله، ولكن أن تمسّ "سالي" بيدك، فهذا ما لا أطيقهُ، فأياكَ مُجددًا أن تلمسها ب يداك القذرتين  ، فهمت؟
أنزل" ضياء" يد "عامر" وهو ينظر إليه بحقد:
- إحذر من ماتفعله أيها الصغير  ! فقد تندم فيما بعد، والآن من الأفضل لك أن تغادر غرفتي بهدوء.
رمقه "عامر" بنظرة غاضبة من أول رأسه حتى أسفل قدميه، ليتركه خلفه يستشيط غضبًا ويغادر.

بعد ذهاب ذلك الرجل، جلسوا "سالي" و "أرسّلان" يتحدثون ويضحكون، تحت أنظار "رُقية" الحاقدة.

كانت "سالي" تنظر إلى "أرسّلان" بحب شديد، كانت تتمعن في نظراته وحديثه وابتسامته الساحرة، بالطبع فهي أبدعت في وصفه في روايتها.
أما "رُقية" فكانت تنظر إلى نظراتها تلك وهي تشعر بشيء غريب نحوها.
اتجهت نحوهم لتوجّه حديثها نحو "أرسّلان"  :
-سيّدي  ! أريد التحدث معكَ على إنفراد.
لينظر "أرسّلان" إلى "سالي" ثم يعاود النظر إلى "رُقية"  :
-تحدّثي هنا، فـ "سالي" ليست غريبة عنّا  !
عقدت "رُقية" حاجبيها وهي تجاوبه:
-لا بالطبع غريبة  ! فأنها أتت من العدم، لا أعلم ماتنوي لك  ! تتحدث بغرابة وتنظر لك بغرابة، وبصراحة لا أعلم مدى الخطر الذي ممكن أن يقع عليك بسبب تلك الفتاة اليتيمة  !
اتسعت أعيُن "سالي" بعدما وقفت وهي تردف إليها  :
- يتيمة؟ كيف تجرئين  ..
يقطع حديثها "أرسّلان" الذي صرخ بـ "رُقية" صرخة جعلت كل من في القصر يتجمع ليرى ما الذي يحدث مابينهما "عامر" الذي كان يشاهد بصمت:
- "رُقية"! كيف سمحتِ لنفسك بأن تهيني مُساعدتي؟ وأيضًا أمامي؟ ألم تشعري بأي خجل؟ ألم تشعري بأن كان يجب عليكِ أن تحترمينني؟ لآخر مرة سأقولها لكِ، ويجب أن يسمعني كل من في القصر  !" سالي" هي  مساعدتي الشخصية، ومادامت في هذه المدينة سأمحي من يُفكّر فقط بأن يؤذيها من الوجود  !
كان الجميع ينظر إليه بذهول وصدمة بما فيهم "سالي" ليتفاجئ الجميع بذهاب "عامر" نحوهم وهو يوجّه حديثه نحو "أرسّلان"  :
-مع كامل إحترامي لكَ أيها الأمير، ولكنك ليس مسؤول أبدًا عن حماية "سالي" فالمسؤول عن هذا هو أنا  ! إبن خالتها، فأنا مسؤول عنها في هذه المدينة، وفي أي مدينة أخرى مهما كانت، وأنا من يجب أن أمحي كل شخص يُفكّر مجرد تفكير بأن يؤذيها.
يمسك "عامر" بيد "سالي" ويأخذها من بين الجميع متوجّه نحو غرفتها، بينما "أرسّلان" يضغط على ضروسه بغضب.

أدخلها إلى غرفتها في صمت بينما هي تشعر بالكثير من المشاعر، بما فيهم التوتر، ليحدّثها "عامر" محاولاً حل الأمر:
-  "سالي"! جلوسنا في هذا القصر لا يجلب لنا سوى المشاكل والمصائب، دعينا نترك هذا القصر ونعود للمكوث مع السيد" راشد"  ، همم؟
نفت "سالي" برأسها وهي تجاوبه:
-لا يا "عامر"! فهذا ليس حلاً، لقد قال العم" راشد" بأننا مكاننا الصحيح هو هُنا، وسنتمكن من العودة حين فقط ننهي مهمتنا هُنا  ! لذلك لا يجب أن نغادر.
تنهد "عامر" وهو يمسح على وجهه بكل يديه محاولاً تهدئة نفسه:
-حسنًا، فلتهدئي، ولا تشعري بالذعر أو الخوف حسنًا؟؟ فأنا دائمًا سأكون بجانبك، لن يتمكن أحد من إيذائك من الآن وصاعدًا.
ابتسمت إليه "سالي" بصمت وهي تومأ برأسها إليه  :
-والآن بدّلي ملابسك وحاولي أن تفرّغي رأسك وأغفي قليلاً.
تركها وغادر غرفتها بهدوء.

في غرفة "أرسّلان" كان يجلس في صمت يتذكر ما حدث، وحديث "عامر" كان يشعر بغضب كبير، كيف غير مسؤول عن حمايتها؟ وهي مساعدته، قطع شروده "رُقية" الذي دخلت إليه بعدما طرقت الباب عدة طرقات، جلست بجانبه بصمت وهي تحدّثه  :
-أنا آسفة إذا أغضبتك ياسيّدي، ولكن  .. يجب أن تقدّر حبي لك، وتقدّر كيف أغار عليك ولا أريد إمرأة أخرى سوايّ تقترب منك  !
رمقها بنظره غاضبة وهو يردف إليها:
-أهذا مُبرر لجرح مشاعر شخص أخر بريء؟؟ ماذا قُلتِ لها؟؟ الفتاة اليتيمة؟؟ ألم تفكري في مشاعرها حينها؟
تحدّثت "رُقية" بجحود وكأنها غير نادمة على مافعلت:
-وكأني قُلت شيء خاطيء؟! إنها بالفعل يتيمة  !
أغمض "أرسّلان" عيناه بغضب وهو يجاوبها:
-  "رُقية" أرجوكِ غادري الآن لا أريد أن أتصرف تصرّف يحزنك أو يغضبك مني  !
تغيّرت ملامح "رُقية" لترفع أحدى حاجبيها وهي تردف إليه:
-لماذا تتدافع عنها بهذه الطريقة؟؟ لماذا تريد حمايتها ووجودها جانبك بالجوار دائمًا؟ لماذا حين تحزن تواسيها بشدة وكأنك لا تحب رؤية الحزن على ملامحها؟؟ ها؟؟ حتى إنك حاولت صنع الكعك لها حين قالت بأنها تشتهيه، لماذا تفعل كل ذلك لها؟ فأنا خطيبتك وليست هي، هل تحبها؟؟
نظر إليها "أرسّلان" وهو يعقد حاجبيه، ليردف إليها بنبرة حادّة:
-  "رُقية"! لا يعني كونك خطيبتي بأن تحاولي معرفة حقيقة مشاعري نحو الآخرين  ! أو الحكم عليّ من تصرفاتي، أنتِ بالفعل خطيبتي ولكنك تعلمين جيدًا بأنني ليس لديّ أي مشاعر تجاهك، وإننا مخطوبين بإرادة أبيكِ ولأنه ظل يلحّ عليّ بالزواج منكّ، لذلك لا ترفعي من سقف طموحاتك للأعلى، حتى لا تقعين مكسورة العُنق!
ظلت تستمع إليه بعيون دامعة قبل أن ترفع فستانها بيدها وتغادر الغرفة، أما هو ظل يُفكّر بحديثها، وبكلمة هل تحبها؟؟ فتذكر للحظات الأحلام الذي كان يحلمها ب" سالي" قبل أن تأتي إلى القصر، وكيف كانت تظهر له بهيئتها الملائكية وضحكتها الجميلة، وعيونها الواسعة، كان يحلم بها من فترة إلى أخرى، كان لا يعلم من هي تلك الفتاة، ولكنه كان تعلّق بها حتى قبل أن يراها، وحتى بعد دخولها إلى القصر، وعلى الرغم من عدم معرفة سبب رؤيته لها في أحلامه قبل أن يراها، ولكنه لا يحب فعلاً رؤيتها حزينة، لا يحب أن يراها تتألم، ولا يحب أحدًا يهينها أو يقترب منها، لا يعرف ما هو الرابط الذي يربطهم ببعض، ولكنه كل ما كان يعرفه هو إن "سالي" تعني الكثير له، حتى قبل أن يراها.

ذهبت "رُقية" إلى غرفتها وهي تتوعد إلى "سالي" الذي في نظرها تحاول أن تسرق حبيبها منها، حتى بعد إخباره لها بأنه لا يحمل لها أي مشاعر، إلا إنها مازالت متيقنة وتعتقد بأنه يحبها، حبها الشديد له كان يجعلها ترفض تقبّل الواقع  ! 

مَدينة أرسّلان  || رنَـا محمود. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن