التغلبية

48 4 2
                                    


فارقني "مؤتمن" عندما برزت أضواء مضاربنا؛ حتى لا يرانا أحدهم معًا، وعلى الرغم من أن الوقت كان متأخرًا، إلا أن الدار كانت تبدو عامرة.

لم يفرغ بيتنا من الضيوف منذ أن تزوجتُ من "التغلبية آمنة بنت الحارث"، فلأن والدها كان سيدًا من أكرم سادة العرب؛ فقد امتلأت دارنا بالمهنئين والزوار من الأقارب، والجيران، والأصدقاء.

كنت ما أزال أعيش مع والدتي التي كانت سعيدةً برفعة هذا النسب، وبعلو شأن تلك المصاهرة، فلم تشكُ -ولو للحظة- من الضيق، أو الانزعاج من الفوضى الكائنة في مساكننا.

وجدتُ العشاء ممتدًا على الأرض، وبدا لي أن والدتي "صبر" كانت في انتظاري، فبادرتها: ألم تتناولي العشاء بعد؟.

ولكنها لم تكن تنتظرني على العشاء، بل إنها تفاجأت من عودتي المبكرة.

- أنا بانتظار عروسك، وضيفتها الأخيرة يا بني؛ لأتناول الطعام معهما.

سألتها عن أبنائي، فردت:

- إن "ليلى" تبيتُ لدى جدها، أما "عقبة"، و"ربيعة"، فقد خلدا إلى الفراش باكرًا كعادتهما.

تململتُ قليلًا، فيما بدأ الجوع يقرص معدتي؛ فجلسات مؤتمن تلك كانت قاحلةً خاليةً من الزاد، أو الشراب، وأنا لم أتناول شيئًا منذ الصباح.

كانت "التغلبية"، وضيفتها ما تزالان تتسامران.

- هل يمكننا يا أماه أن نتناول عشاءنا الآن، ثم نمد مائدةً أخرى لـ"التغلبية"، وضيفتها ريثما تفرغان من تسامرهما؟ سألتُ أمي راجيًا.

- وهل يأكل العربي قبل ضيفه يا بني؟. ردت مستنكرة: ماذا تريد أن تقول عنا العرب؟ ثم لماذا عدتَ هذه الليلة قبل الشروق.. أولا يوجد في جلسات لهوكم شيءٌ من الطعام؟

كان والدي مع زوجاته، وبقية إخوتي، والجواري ضاربين في اليمامة، ولكن والدتي بإمكانها الاتصال به متى شاءت؛ لذلك أبقيت على أمر "المؤتمن" سرًا حتى عنها، وتركتها تعتقد أنني كعادتي أقضي لياليّ ما بين الأنس، والعبث.

سألتُ لأصرفها عن جلسائي وسهراتي: ومن هي ضيفة "التغلبية" يا أماه؟

- إنها ابنة "مرة".. "الجليلة" ابنة عمك.

مذكرات الزير سالمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن