الرسالة

29 3 2
                                    

كنت أذوي شيئًا فشيئًا على فراشي.. اعتاد "المؤتمن" أن يعودني مرارًا، وتكرارًا سرًا عن الجميع.. أصبح يراقب ذبولي البطيء محاولاً مواساتي، وبث السكينة في روحي الخابية.

فسألته: هل تظن بأن "الجليلة" ستقترن بأحد أشقائي بعد موتي يا "مؤتمن" كما تنبأتْ بذلك "أم الحمام"؟

- لقد أخبرتُك بأن الكهانة من صنوف الدجل، ولا يمكن لأحدٍ غير الله معرفة الغيب، والتنبؤ بأحداث الغد.

- ولكنها عرفتني، وعرفت "الجليلة".. كما عرفت "صبر التبعية" دون أن أخبرها عنهن.

- جميع العرب يعرفون "الزير"، و"الجليلة"، و"التبعية"، يبدو أن قصائدك حول "الجليلة" قد وصل صداها إلى ما بعد أسوار الكرك.

- ولكنها علمتْ بقدومي إلى برج الحمام حتى قبل أن تراني.

- و"السابحة"، و"الدامعة" كذلك قد غدتا علمًا في أرض العرب؛ بسبب رحلاتك، وهيمانك على وجهك في الأيام الأخيرة.

جلستُ، وكأنني قد شعرتُ ببعض العزاء في حديث "مؤتمن" لأسأله: هل كنتُ أهذي بسبب الحمى يا "مؤتمن"، أم أنني سمعت حقًا قبل وهلة بأنك تؤمن بالله؟

- أنا أؤمن بالله خالق السماء، ولا إله عندي سواه.

- لماذا إذن تسعى العرب خلف رأسك يا "مؤتمن"؟

- لأن رسالتي هي المساواة بين جميع الخلائق؛ فلا فرق بين ملكٍ، ومملوكٍ أمام الله.

- أتقصد أنه لا فرق عندك بين الملك، وبين حثالة أهل الكهف؟

- ليس عندي أنا، وإنما عند الله.

حاولتُ الضحك، ولكنني لم أتمكن من ذلك.. أحضرتْ "شندي" لي الماء، والشراب، ولكنني طلبتُ منها أن تولم لضيفي؛ فأنا لم أتناول الزاد منذ سقوطي عليلًا على هذا الفراش الوثير.

- أتدري يا "مؤتمن".. أظن بأن والدي كان محقًا في رأيه بشأنك. سألتُ مستنكرًا: أتريد أن تساوي بين سادة العرب، وبين أعرابها، وبين حصفائهم، وعقلائهم، وبين مجاذيبهم، وأراذلهم.. تبًا لك يا "مؤتمن"، وتبًا لما جئت به.

لم يتناول "المؤتمن" إلا القليل من الزاد، فأتيت أنا على البقية الباقية من الوليمة فيما أفكر في الحديث الذي سيدور بيني، وبين الملك حول "مؤتمن".

مذكرات الزير سالمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن