بعد مقتل "المؤتمن" بسبب وشايتي، أظلمتِ الأيام أمام ناظريّ.. لم أكن لأظن يومًا بأنني سأستشعر كل هذا الندم.. لقد أصبحتْ حياتي بائسةً بعد رحيله؛ فلم يعد لي من رفقاء، أو ندماء لصحبتي.. فيما أصبحت رحلاتي البرية خانقةً.. خاليةً من الإمتاع، والمؤانسة. وصلتُ يومًا إلى تدمر أجرّ راحلتي خلفي بأطرافٍ خائرةٍ حتى وقفتُ بباب "عبد الأسد" أفضل صانعي التماثيل، ونقدته آلاف الدراهم؛ ليبدع لي صنمًا عظيمًا لـ"مؤتمن". حتى إذا ما اكتمل صنعه زرت والدي، وأفضيتُ إليه بمكنوني.
- إن لجميع العرب أوثانًا يعبدونها يا أبي، أما نحن فلا نعبد إلا الله، وليس لنا من أثرٍ حول الكعبة، ولا آلهةٍ يقصدها التغالبة؛ لتعظيمها، وتبجيلها، فما رأيك لو أننا وضعنا "مؤتمن" كرمزٍ لآلهة تغلب حول الكعبة؟
- أنا موافق، على شرط؛ أن يكون رمزنا أعظم من جميع أوثان آلهة العرب.
لوحتُ للحاجب، فأمر بإدخال التمثال يحمله أربعةٌ أشداء.. بدت نظرات الإعجاب ظاهرةً على قسمات الملك، ثم أمر بأن أكون أنا على رأس الحجاج القاصدين مكة هذا العام.
كانت المرة الأولى التي أقصد فيها بيت الله.. سرتُ على رأس الحجاج يتقدمنا عشرةٌ من العبيد يحملون تمثال "المؤتمن".
طفنا ملبين حول الكعبة.. حتى تعثرنا بفوجٍ عظيمٍ.. كان كثيف العدد، وجهور الصوت حتى غلب على أصوات حجاجنا.
خالطتْ كلمات تلبيتهم هتافات أتباعي:
لبيك اللهم "هُبل"!
لبيك يحدونا الأمل!
الحمد لك.. والشكر لك!
والكل لك.. يخضع لك!
فطلبتُ من التغالبة رفع أصواتهم بالتلبية، فصدح صدى أصواتنا في الوادي الفسيح:
للآخرة.. في الذاكرة
دومًا سيبقى "مؤتمن".
أولادنا.. أموالنا..
فدًى لذكرى "المؤتمن"
لبيك يا.. إلهنا..
يا صاحب السمت الحسن!
أنت الأعز.. أنت الأجل..
لبيك يا عالي الشأن!
لبيك لك.. لبيك لك!
لبيك إن الحمد لك!.
حتى إذا أنهينا طوافنا. سألتُ بعد ذلك دليلنا في تأدية المناسك عن الفوج الذي أقلق راحة حجاجنا.
- لست متأكدًا، ولكن "هُبل" آلهةٌ لحجاج اليمن.
علمتُ لاحقًا بأن القائد على رأس حجاجهم قد كان "وائل بن ربيعة التغلبي".
-فاصلٌ زمني-
أنت تقرأ
مذكرات الزير سالم
Teen Fictionأنتم تعرفون وجهًا واحدًا للأحداث، ولكن مازال هناك الكثير مما يمكن أن يقال.(رواية خيالية من التاريخ لليافعين)