كانت عامة أهل الكهف من حثالة العرب، ومن أحطهم قدرًا.. قابلت بداخله "سامر" الأعرج، و"صالح" الأعور، و"معتصم" المجذوب، و"حسان" اللقيط و"سهل" العبد الآبق.. كانوا بضعة أشخاصٍ من ضعاف العقل، والحال.. إضافةً إلى طائفةٍ من الأعراب الصعاليك.
قام بعض الرجال بسد فتحة الكهف التي دخلنا من خلالها بصخرةٍ ضخمة، فبقينا في ظلامٍ دامسٍ إلا من شعاعٍ ضئيلٍ كان يتسرب من الكوات التي ربما صنعها أجدادنا الحجريون في جوف الكهوف، ولكنني لم أكن لأفهم من أجل ماذا كانت كل هذه السرية، وهذا الانزواء، والاستتار هنا عن بقية العرب.
تحدث "مؤتمن" عن خطيئة جمع المال، كان يلوح بعصاه يمنةً، ويسرةً أثناء حديثه.. دعوني أعترف لكم بأن "مؤتمن -وخلافًا لمظهره الرث- كان خطيبًا مفوهًا.
كنت أعتقد بأن مظهره البادي عائدٌ إلى عوزه، وأنه لم يتقرب مني إلا للخلاص من فقره كما يلتف حولي دائمًا الصعاليك.. ظننته انتهازيًا طماعًا، ولكن هاهو يخبرنا عن الشرور التي ستحيط بنا في سبيل جمعنا للمال.
عندما غادرنا الكهف توجهتُ إلى "مؤتمن" بالسؤال:
- هل كان الحديث عن المال يستحق كل هذه السرية، والاختباء؟
كان علينا السير عائدين في عتمة الليل لمسافاتٍ شاسعة. كان الظلام دامسًا، ولكنني اعتقدت أنه قد رمقني بنظرةٍ ذات مغزى.
تابع سيره قائلًا: أنت ابن الملك يا "أبا ليلى".. تعلم بالتأكيد ما يضمره لي وجهاء العرب.
أومأت موافقًا: نعم أعلم ذلك، ولكنني لا أعلم لماذا؟
- يعتقدون أنني أقلل من شأن الآلهة.
- وهل تفعل ذلك يا "مؤتمن"؟ سألت مستنكرًا: ألا تؤمن بالرب؟
- دعنا نتحدث عن الرذائل، والفضائل أولًا، وسأخبرك بعد ذلك عن رأيي في آلهتكم.
- بإمكانك أن تخبرني بذلك الآن، فأنا لا أعتقد بأنني سأعود إلى ذلك الكهف، أو للقاء هؤلاء الصعاليك مرةً أخرى.
- على رسلك يا "أبا ليلى"، فأنا لا أريد تأخيرك على عروسك "التغلبية".
أنت تقرأ
مذكرات الزير سالم
Teen Fictionأنتم تعرفون وجهًا واحدًا للأحداث، ولكن مازال هناك الكثير مما يمكن أن يقال.(رواية خيالية من التاريخ لليافعين)