مؤتمن

105 5 2
                                    


كنت أتطوح يمنةً ثم يسرة، وأنا مغادرٌ لخيمة أصدقائي بعد أن أمضينا الساعات الطوال في التسلية، والعبث، والمرح.. لا أحد غير رفقة الليل يستطيع إخراجي من حالة البؤس، والضياع التي كنت قد وصلت إليها.
كان الطريق إلى منزلي معتمًا؛ فقد كانت ليلةً مظلمة.. لعب المشروب برأسي حتى سقطت في منتصف الطريق لولا أن أسندتني ذراعٌ حانيةٌ اتكأت عليها في الظلام.
تفرستُ في ملامح الشيخ الذي أسندني مستفهمًا: من؟
- أنا "مؤتمن".
- "مؤتمن".. "مؤتمن".. أنا أتذكر هذا الاسم، ولكنني لا أدري أين، ومتى كنت قد سمعته، ولكنك تبدو لي رجلًا طيبًا.. شكرًا لك يا أخا العرب!
- ما الذي أوصلك إلى هذه الحال يا بني؟ لماذا أسرفت على نفسك يا "مهلهل"؟
- آه يا شيخ العرب لو تدري ما يجيش في صدري الآن لم تكن لتلمني؛ لقد وأدتُ صباح اليوم ابنتي الرابعة.. لقد وصلت إلى سني الخامسة والعشرين، ولم أرزق بابن يحمل اسمي حتى الآن، لأفاخر به بني العرب.
- هون عليك.. هون عليك يابني.
كنت قد اقتربت من خيمتي، وأصبح يمكنني إذاك الاسترشاد بالنار الموقدة أمام خيام عائلتي، فشكرت "مؤتمن"، وأكملت طريقي بمفردي، واستلقيت فور وصولي على فراشي.
كنت قد نويت الذهاب في صبيحة اليوم التالي إلى الصيد بمفردي؛ لتجلية عقلي مما أصابه لبضعة أيام.. اعتليت "السابحة"، وسحبتُ سير "الدامعة" معي؛ فمؤكدًا سأحتاج إلى كليهما في دروب البيداء.
لم ألبث أن سرت لبضع دقائق حتى شاهدت  "مؤتمنًا" يجلس على الرمضاء في ثيابٍ بالية، وبرأسٍ حاسرة، ولحيةٍ شيباء غير مهذبة، وكأن عتمة الليل بالأمس كانت ساترةً لرثاثة مظهره البادية.
انتصب واقفًا فور أن رآني، وأشار لي بذراعه، فخففت من سرعة "السابحة" حتى أوقفتها، وسألته: ماذا تفعل هنا يا "مؤتمن"؟
- أردت الاطمئنان عليك بعد البارحة.
- هل لديك راحلة يا "مؤتمن"؟
ابتسم "مؤتمن" ساخرًا، فمددت له لجام "الدامعة": هل تصحبني؟
- أأنت ذاهب في رحلةٍ للصيد؟
- أنا كذلك.. لماذا جلست بعيدًا عن الدار يا "مؤتمن" طالما أنك رغبت في الاطمئنان علي؟
تردد قليلًا، ثم قال: أنا.. أنا لم أرد أن تثور بسببي الزوابع.
-زوابع؟!
عندها تذكرت أين شاهدت "مؤتمن" قبل ذلك؛ لقد كان يزور دارنا في الجواء؛ رأيت والدي يطرده عن بابنا مراتٍ عديدة.. كنت قد ظننته في بداية الأمر متسولًا عاديًا مثله مثل العشرات ممن يقفون على باب الملك.
ترى ماذا يريد مني هذا الرجل الآن؟ وهل كان لقاؤنا بالأمس محض مصادفة؟ ولماذا لحق بي حتى مضاربنا في البادية؟

مذكرات الزير سالمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن