خطى مؤتمن

62 4 2
                                    



أمام معاشر القوم كنت ما أزال زيرًا؛ حيث كنت كثير السهر، والارتحال.. سواءً كان ذلك من أجل التنزه، أو الصيد، والقنص، أو الظعن. وحده "المؤتمن" من كان يعلم بأنني قد أصبحت أتبع خطاه في سبيل سلوك الطريق القويم. لم أكن أتمكن من لقائه جهارًا، فكنت أتخفى في ظلام الليل؛ للاجتماع به، وقد كنت محقًا؛ فأنا أعلم أن العرب حانقون على "مؤتمن".. كما سمعتُ يومًا في مجلس والدي بأنهم يبيتون النية لدق عنقه. كنت أعرّض نفسي للخطر بصحبته.. كما قد أتعرض للسخرية، والهجاء في قصائد شعراء العرب، وهو -ولأصدقكم القول- أخوف ما أخاف حدوثه؛ فبيتٌ من قصيدة شاعرٍ فذ قادرٌ على الرفع، أو الحط من قدر أمةٍ بكاملها.

أما "مؤتمن" فقد كان لديه أيضًا ما يحمله على السهر خارج الدار؛ فقد كانت زوجته "سالمة العمشاء" سليطة اللسان.. سيئة الأخلاق، وكثيرة التسخط، والتبرم لدرجة أنني تعجبت من رزق الرب  لـ"لعمشاء" برجلٍ  كمثل "مؤتمن"، ولكن -وللحق أيضًا- فقد يكون لـ"لعمشاء" الحق في حنقها، وتبرمها من "المؤتمن"؛ فقد ترك 'المؤتمن" كسب عيشه، وقد كان راعيًا للماشية، وتفرغ لدعوة الناس إلى الطريق القويم.. كان يسير راجلًا لأيام.. متخطيًا الفيافي في الهجير في سبيل لقاء شخصٍ قد يتوسم فيه الزهد، والصلاح.. تاركًا "العمشاء" مع صبيانها التسعة، وفتياتها دون طعامٍ، أو مؤونة.

كنت أضطر للمشي خلفه لساعاتٍ حتى نجدبرق تحت شمس الأصيل متلثمًا؛ حيث تعرف العرب "السابحة" و"الدامعة"؛ إذ كانتا علمين قادرتين على فضح أمري ، ولم أتمكن بطبيعة الحال من اصطحابهما في رحلتنا إلى الكهف. كانت هذه هي المرة الأولى التي يصطحبني فيها إلى المأوى بعد أن قضى أسابيع في محاولة إقناعي بالانضمام إلى أهل الكهف خاصته.

قال "مؤتمن" بعد أن أصبحنا على عتبات كهف نجدبرق بصوتٍ جهور؛ ليصل به إلى الأصم والأبكم والأعمى، والمجذوب، والأعجمي، والمعتوه بلهجةٍ حماسية:

احزروا من القادم.. إنه "الزيرُ سالم"

ردد أهل الكهف الهتاف خلفه:

- "الزير سالم".. 'الزير سالم".


مذكرات الزير سالمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن