2 : أنا لا أشفى من ذاكرتي

1.8K 37 0
                                    



لا شيء يُرسخ الأشياء في
الذاكرة كالرغبة في نسيانها

                                  - ميشيل دي مونتين
_______________________________
واشنطن دي سي . ڤيرجينيا

نهضت وَصاف واتكأت بجانب إشراق واضعةً كوب قهوتها على الدرابزون من أمامها. . ألتفتت إليها إشراق تتأملّها للحظات ثم تساءلت:
- خلاص يعني بنرجع للرياض؟

تتأمل وَصاف تلك البقعة الساحرة، الأشجار المختلطة بين اللونيّ الأخضر والبرتقالي ودرجات متفاوتة بين البنفسجي والأحمر، وانعكاسها مع الغيوم في البحيرة...

تنهدت وَصاف وبنبرة رقيقة وحانية:
- مجبورين. .  في النهاية انتهى مشوارنا هنا ولازم نرجع
نظرت لها إشراق بهدوء:
- يا قلبي علينا... مين كان يصدق في يوم إننا فعلاً ننقل شغلنا اللي تعبنا عليه لمكان جديد!
زمت وَصاف شفتيها وبينما تنظر للجمال الآخاذ أمام عينيها:
- أقدار. . كل شيء مقدر ومكتوب وإحنا بس نتعايش وإلَّا نسيتي يا إشراق؟

أغلقت إشراق عينيها ثم فتحتهما ببطء شديد فانفجر بداخلهما المشهد الحيّ من أمامها. . هزت كتفيها ببرائة. . وأمالت رأسها بابتسامة خلابة:
- ما يحتاج أنسى، وَصاف الحكيمة ما تركت ليّ فرصة النسيان
صدح في أرجاء الشرفة ضحكات وَصاف ثم شاركتها إشراق وجاءتهما ديم تحتضن قدميهما بسعادة وأورورا تنبح بجوارهما.

* * * *

صعدت إشراق للمركبة تجلس خلف المقود وبجوارها تستريح أورورابفستانها الأصفر، بعد أن وضعت ديم في كرسيّ -الأمان- المخصص للسيارات، كانوا قد خرجن لبعض الوقت يتبضعن القليل من الطعام والحلوى لأجل نزهتهما الصغيرة أمام البحيرة بعد أن تنتهي شركة شركة الشحن من تعبئة الكونتينر بصناديقهم التي وضبتها وَصاف طيلة الأشهر الفائتة، كانت الكونتينر كثيرة جداً وبعضها جاءت مغلفة لقطع أثاث ضخمة لمنزلهم في الرياض، والكثير من الإكسسوارات لمنزلهم، وأشياء قد يحتاجونها من هذا المنزل، أشياء لم يعدَّ لها مكان هنا، إذ حملوها لربما قد تجد مكانها الخاص في منزلهما في الرياض.
لم يكونوا ذات يوم ليواجهون هذا القرار وبعقل صحو، وخاصة إشراق، لطالما كانت ممتنة من الحياة الطويلة التي عاشتها بين دبي وواشنطن، للأيام الجميلة بصحبة أمها و وَصاف وأورورا حتى جاءت ديم وشاركتهما أيام أخرى محمومة بالسعادة وبالأمومة.

قطعت جلّ تركيزها الديم من مقعدها الخاص:
- نركب الدراجة؟
نظرة خاطفة وسريعة لوجه ديم عبر المرآة الأمامية لتبتسم إشراق بينما تعود لتنظر نحو الطريق:
- ديم تبغى الدراجة نركب الدراجة لعيونها
بينما تلعب ديم بلعبتها الأرنب المحشو بالقطن والتي أطلقت عليها ذات يوم بـ "لالي" صديقة المهدّ والطفولة.
كان صوتها ضئيلاً جداً بينما تحادث إشراق وتلاعب دميتها لالي في آن واحد:
- الوردة حقتي نأخذها معانا في الدراجة
بينما تعبر إشراق الطريق الآخر:
- نأخذها ونأخذ أورورا بعد وماكرون
صاحت بحماسة بينما تعدد لها قائمة مشترياتهم التي تناسب رحلتهما الصغيرة:
- ماكرون وكب كيك وفطائر الجبنة والدونات والقهوة وحليب القرع حقي...
ضحكت إشراق، إذّ من ضمن تلك الأشياء التي عددتها، لم تنسى ديم الشيء الذي تحبه إشراق "القهوة".

يا كوكباً أنا في أفلاكهُ قَمَرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن