الزائر

1.2K 39 2
                                    

« ترانيم،، ترانيم،، اين انت يا ابنتي» استمرت رحمة بالبحث عن ابنتها حول البيت حتى عثرت عليها تلعب قرب الحظيرة وهي تمسك غصنا جافا تخط به بعشوائية على الارض ابتسمت رحمة بمحبة للصغيرة التي بادلتها ابتسامه لطيفة اقتربت رحمة منها و جلست امامها، ظهرت عليها ملامح التوتر، ثم قالت
« ترانيم، اسمعيني، سيأتي بعض الاشخاص الطيبين وسيحظرون لك الهدايا والحلويات ويحتفلون معنا بعيد مولدك ، هل اتفقنا؟»
هزت ترانيم رأسها موافقة ، اردفت رحمة « سيأتي معهم اطفالهم انهم طيبون جاءوا يلعبون معك ، حسنا ؟»
هزت الطفله رأسها بأيجاب ، كانت رحمة قلقة لان هذه هي المرة الأولى التي تلتقي بها ترانيم مع اشخاص آخرون غير امها رحمة ، و المقلق اكثر هو رد فعل الناس على شكل عينا ترانيم البيضاء ، كيف سيكون رد فعلهم عندما يرون طفلة بعيون بيضاء وما يزيد الامر سوء ان ترانيم (تبصر) ....
قررت بعد صراع مع مخاوفها ان تترك الامور تسير كيف ما كانت دون تعقيد وان ساءت الامور ستغادر القرية كما اعتادت خلال السنوات الخمس  المنصرمة نهضت واشارت لطفلتها ان تتبعها، ابتسمت ترانيم ببراءة وتبعت امها بعد ان القت الغصن المتيبس جنب خربشاتها التي كان بعضها رموز غير مألوفة من لغة منسية، رموز ما ان دبت عليها نملة حتى اشتعلت بلهيب ازرق وسريعا ما انطفأت بعد ان تبخر رمادها،
دخلت رحمة للبيت وهي تستعد لاقامة حفل عيد ميلاد ترانيم، مضى بعد الوقت و وصلت بعض النسوة يصطحبن اطفالهن رحبت بهن رحمة أفضل ترحيب وقدمنَّ بدورهن الحلويات المصنوعة منزليا وبعض العرائس القماشية المحشوة بالقش ،،، مضى بعض الوقت بالترحيب والاحاديث القصيرة قبل ان تتجه رحمة للغرفة الوحيدة في البيت حيث ترانيم جالسه امام المرآة وضعت رحمة بعض الزهور في جديلتها واخذت بيدها لتعرفها على الحضور..
كان ردة فعلهم متوقعة لرحمة الخوف والغرابة حتى سألت احداهن
«عزيزتي رحمة، هل طفلتك عمياء؟»  كانت رحمة متحيرة لكنها اجابت بصدق« بل تبصر» ارتفعت الهمسات والاستهجان «كيف تبصر وعيناها بيضاوان؟»
همست احدى النسوة « انها اول مرة ارى فيها طفلة بعيون عميان ولكنها بصيرة!»
استمر بعض الهمس و الكلام لوقت قصير، قبل ان تتقدم رحمة نحوهن وهي تقول بحزم « لقد صليت للرب كثيرا ان يمحني طفلا حتى ان كان معتلا،  طفلا يجعلني اعيش معاناة وفرحة اي ام لسنوات طويلة كنت انتظر ان يستجيب الرب لدعائي وها هي فتاتي،  منحها الرب اجمل وجه والطف روح فلا يهمني لون عينيها،  وانتن يا سيداتي ان كنتن ستنهين الجلسة بالهمسات والنميمة فالافضل ان تغادرن»
ساد الصمت للحظات قبل ان تتقدم سيدة لا تزال في الثلاثين من عمرها نحو ترانيم وسالتها « ما اسمك يا حلوة؟»
اجابت بابتسامة وصوت عذب «ترانيم»
اجابت المرأة بسعادة « صوتك جميل»  ثم ناولتها دمية «هذه لكِ» 
اخذتها ترانيم وهي تنظر لامها بسعادة، ابتسمت رحمة وقالت «ماذا تقولين؟»
ردت على الفور «شكرا»
نهضت السيدة حنين ونظرت لرحمة « انت محقة انها دعوة مجابة هذه الطفلة مميزة بحق»
اقتربت باقي النسوة يقدمن الهدايا و التبريكات ثم طلبنَّ من اطفالهن الذهاب للخارج للعب مع ترانيم،
خرج الاطفال يركضون وقد تقبلوا لون عيني صديقتهم الجديدة، وبداوا باللعب، كانت ضحكاتهم تخترق طبقات الهواء المتجه نحو الغابة وعلى اغصان الاشجار تحركت اقدام بلون الدم القاتم ومخالب سوداء بأتجاه صوت الاطفال، كان المخلوق المنتصب كهيئة البشر يقفز فوق الاغصان حتى وصل لصف الاشجار الاخير و ثبت مكانه يراقب الصغار وهو يزفر بخارا حارا من منخريه وفكه،
كان الصغار يلعبون بسعادة غير منتبهين لمراقبهم فوق الاشجار، قفز المخلوق الى الارض وبدأ يقترب نحوهم وهو يتوارى خلف الشجيرات، من الجهة الاخرى اقتربت مجموعة كلاب صيد تابعة لاحد صيادي الدببة في القرية بدا انها تبعت رائحة مالكيها نحو بيت رحمة، التقطت تلك الكلاب رائحة المخلوق الذي تنبه لها و زمجر مكشرا عن انيابه لكنه ادار وجهه نحو الاطفال وقبل ان يهاجمهم هجمت الكلاب عليه مصدرة اصواتا مرعبة، صرخ الاطفال مرتعبين منهم واتجهوا ركضا نحو البيت،
في البيت استقبلت الامهات اطفالهن الباكين يتسائلن  عما حدث «مالذي حصل لكم؟ لماذا تبكون؟» ،  احتضنت رحمة طفلتها المرتعبة تسالها ان اصيبت بشيء، حتى اشار احد الاطفال للخارج، خرجت احدى السيدات لتفقد الامر كان احد الكلاب اصيب بجروح بالغة ويعرج من قائمته وهو يأن متألما، تقدمت السيدة نحو الكلب بعد ان تعرفت عليه احد كلاب زوجها وجلست قربه وهي تمسح عليه «ماذا حدث؟ هل هاجمك دب؟» ثم نهضت واتجهت صوب الاشجار، اصيبت بالرعب و هي ترى الكلاب ممزقة و مقطعة الاطراف، تتلفت يمينا ويسارا وفجاءة سمعت صوت زمجرة مرعبة وخافته من خلفها استدارت بسرعة و قبل ان تتحقق من مصدر الصوت، ضربها الوحش بمخالب يده ومزق وجهها و حنجرتها سقطت على الارض وهي لا تقوى على الصراخ، وبعينها الوحيدة التي نجت من الضربة رات الوحش الاحمر، وعيناه السوداء، وهو يقترب منها لينهي ما بدأه اغمضت السيدة عينها مستسلمة لمصيرها المشؤوم، ولكنها فتحت عينها مجددا وهي تسمع صيحات النساء وهن يبحثن عنها تلفت حولها بكل ما لديها من قوة باحثه عن ذلك الوحش، لكن لا اثر له وصلن النسوة لها وعلت الصرخات المرتعبة والمستغيثة وانتهى احتفال المولد بكارثة هي الاولى من نوعها في القرية ولكنها لن تكون الاخيرة،،،
تجمع الرجال في مكان الحادث وهم يحملون بنادق الصيد ويمتطون صهوات جيادهم وهم يتصايحون
« هيا اسرعوا، لابد انه قريب»
اقتربت السيدة رحمة من احد الرجال وهي تساله
« هل عرفتم مالذي هاجم السيدة اسعاد؟»
«اجل، انه دب فهذه الغابة تعج بها، لا تقلقي سنذهب لاصطياده»  ثم وكز خاصرة حصانه وانطلق  بسرعة مع مجموعة الرجال،
عادت السيدة رحمة لبيتها تشعر بالاسى لحال اسعاد وعندما اقتربت من بيتها سمعت احدى النساء تهمس للبقية « لابد ان ما حدث لعنة بسبب هذه الطفلة، منذ البداية وانا اشعر بانها ليست طفلة طبيعية لابد انها ملعونة»
لم تتمالك رحمة نفسها وصرخت بها بقوة
«بماذا تتفوهين انت؟  وما شآن طفلتي بما حدث؟»
« اخبريني اذا» ردت السيدة بغضب متصنع« كيف تمكن دب من قتل كلاب الصيد و  مهاجمة اسعاد دون ان يراه الصيادون؟فسري لنا يا رحمة »
«وما ادراني، لم لا تذهبين وتسالين الصيادين عن ذلك؟ ام انك تريدين ان تطلقي كذبة فقط؟ الجميع كان هنا ورأى طفلتي كانت تلعب مع باقي الاطفال ودخلت مفزوعة ايضا مثلهم، ام انك ستتهمين طفلة بلغت الخامسة من عمرها توا بانها من تسبب بمهاجمة اسعاد وقتل الكلاب؟»
صمت الحاضرون لوهلة قبل ان تتقدم احدى النساء «رحمة انت سيدة طيبة وانا لا اتهم طفلتك بشيء لكن صغاري مرتعبون وبيتك يا عزيزتي قريب من الغابة، سارحل حالا»  ثم عانقت رحمه قبل ان تبتعد وما ان وصلت الباب حتى استدارت كانها ادركت شيء« عليك البحث عن بيت قريب من القرية او على الاقل بعيد عن الغابة» ثم غادرت وتبعتها باقي النساء وفي عيون بعضهن الخوف والبعض الاخر التشائم من تلك الجميلة المختبئة خلف امها،
عاد الصيادون قبل غروب الشمس وقد اصطادوا دبا ضخما كان يجوب الانحاء وبدؤوا بسلخ جلده،  ثم تقدم اياد حاملا فاسا كبيرا وانحنى على عنق الدب بعدة ضربات حتى قطع رأسه وحمله وهو ينظر للرجال « ساخذ راس هذا الشقي الذي هاجم زوجتي وقتل كلابي وساعلقه امام بيتي» ارتفعت صيحات النصر من الرجال وهم يربتون على كتفه، واتجه نحو بيته حاملا الرأس الذي تساقطت قطرات دمه على طول الطريق نحو البيت ،
كان داوود يراقب الامر ومستغرقا في التفكير
«ما الامر يا أخي؟» تسائل بدر
« انا اشك بالامر،» رد داوود
استغرب بدر من حال اخيه وبادره «تشك بماذا؟»
«بأن هذا الدب هو ما هاجم زوجة اياد وكلابه»
«هل تقصد انه يوجد دب اخر؟»
«لا اعرف ولكن رأيت اثار المخالب على وجه اسعاد وعلى الكلاب، تلك ليست مخالب دب،كما ان تلك الكلاب مدربة على قتل دب بحجم هذا الدب » ثم نظر لاخيه واردف « لو كان هذا الدب ما هاجمهم كان سيقتل لا محالة»
نظر بدر بخوف وتسائل « هل تعني انها من فعل حيوانا اخر؟»
« لا ادري فانا لم ارى اثار مخالب كهذه في حياتي»  اقترب داوود من اخيه خطوة ووضع كفيه على كتفيه يشده وهو يقول بأهتمام كبير « اسمعني يا بدر ان ساءت الامور فخذ عائلتك وعائلتي واهرب بعيدا ولا تعود ابدا»
سيطر الخوف على قلب بدر من كلام اخيه «ماذا تعني؟»
رد عليه بنبرة غاضبة« افعل ما أأمرك به فقط، فانا لست مقتنعا بأن ما حدث هو صنيعة دب، سأخرج للصيد مجددا باحثا عن الفاعل الحقيقي ولكن اريدك ان تبقى بالقرية، وافعل كما قلت لك، ان ساءت الامور فأهرب بعائلتينا بعيدا ولا تعد، مفهوم؟»
هز بدر رأسه موافقا وعيناه متسمرة في ملامح اخيه الحائرة،
كانت رحمة تستشيط غضبا من كلام السيدات ودخلت لترفع الاطباق و تزيل الزينة وهي تتمتم مع نفسها بصوت مسموع « منافقات، ان لم تكن عينا ترنيم مختلفة بماذا سيتحججن؟  لئيمات انا متأكدة انهن يشعرن بالغيرة لا اكثر،لان فتاتي اجمل بكثير من بناتهن البشعات والقبيحات  ،،»  واستمر حديثها مع نفسها وهي ترتب المكان بغضب وسخط ثم وجدت العرائس والدمى التي احضرتها النساء كهدايا رفعت احداهن وامعنت النظر فيها قبل ان تلقي بها في سلة كبيرة وجمعت باقي الدمى والهدايا و ذهبت للخارج والقتها على الارض واضرمت النار فيها حدقت بها قليلا ثم دخلت غاضبة واوصدت الباب خلفها بقوة ثم اتجهت للمطبخ لتغسل الصحون لكنها توقفت قليلا وصمتت ثم نظرت خلفها كانت ترانيم تنظر اليها بحزن جلست على ركبتيها وفتحت ذراعيها للطفلة، انطلقت الصغيرة نحو امها وعانقتها بقوة لتنهار رحمة باكية،،،
عند الدمى المحترقة خطت القدم الحمراء ثانية و همست الزمجرة مجددا،،،
في اليوم التالي استيقظ الناس على صوت صراخ امرأة مذعورة، تجمع الناس و ذهلوا بما رأوا كان رأس اياد معلقا على باب بيته بدلا من رأس الدب وجسد اسعاد منزوع الرأس مثبتا بوتد خشبي الى جانب راس اياد،،،،*

طفلة الشيطان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن