الكهف

358 17 0
                                    

رفعت رحمة رأسها وهي تمسح دموعها واغمضت عينا داوود، نظرت لترانيم ثم نهضت واقتربت منها،
« كيف قتل السيد داوود ؟  هل رايتِ الحيوان الذي هاجمه؟»  ارتبكت ترانيم لكنها قالت « لا لم ارى شيئا  حين وصلت كان غارقا بدمه» و رمقت جثته لكن رحمة تحركت ووقفت امامها  لتمنعها من النظر وقالت لها « اذهبي الان»
«ماذا عن هذا الرجل؟»
«سأقوم بدفنه»
« امي، هل تعرفين من يكون؟»
«اجل»  واعادت النظر لجثة داوود واكملت بحزن «لقد ساعدنا السيد داوود سابقا حين ارادوا قتلنا»
« قتلنا!  لكن، لماذا؟»
اعادت لنظر لترانيم ودفعتها بهدوء ناحية البيت واكملت « اذهبي الان ودعك من هذا الكلام»
تحركت ترانيم بهدوء عائدة للبيت وهي تتلفت حولها خشية ان يعود الشيطان ويهاجم امها،
انتهت السيدة رحمة من تنظيف جسد السيد داوود من الدم والطين ولفته بقماش نظيف ودفنته وموهت القبر كي لا يعثر عليه فيثير الشبهات والشكوك،  كانت ترانيم في البيت تفكر في ما حدث و انتهت لنتيجة ان السيد داوود اراد قتلها ليقتل الوحش في تلك اللحظة تذكرت الطفلة ذات اليد المحترقه وكيف ان الشيطان ركع امامها ادركت ان «حياتها وحياة الوحش لا يرتبطان» لكن تزاحمت الكثير من الاسئلة عن هويتها والطفله والشيطان، شعرت بالضياع بعد ان ادركت انها تجهل هويتها ورحمة لن تمنحها اية اجابة، لذا قررت ان تبحث عن اجوبة اسئلتها بنفسها، واختارت نقطة البداية ،،، مقبرة الطفلة ،،، في اليوم التالي استيقظت ترانيم و بعد تناول فطورها خرجت مسرعة دون اخبار امها وانطلقت نحو القرية المهجورة يتبعها ليل، وما ان قطعت نصف المسافة حتى سمعت صوته مجددا
«ترانيم، الى اين انت ذاهبة؟»
توقفت ونظرت للفتى و هو يتقدم نحوها، تحيرت كيف ترد عليه، اقترب منها وداعب ليل قليلا وقال ولا زال ينظر لليل الذي سعد بلقائه
« لقد رأيت شيئا ذلك اليوم واريد ان تخبريني الحقيقة،» رفع نظره اليها واكمل« لماذا كان الصياد يطلق النار عليكِ؟ وايضا كيف لم تصابي رغم عدد العيارات التي اطلقها عليك من مسافة قريبة؟» ركز بعينها واردف« كيف مات؟ لقد رأيته من خلف الاشجار يطلق النار عليك فهرعت نحوك لاحميك لكنني وجدته قتل ثم وصلت امك» شعرت ترانيم بالضيق وان سرها قد افتضح فلم تجد بدا من اخباره بالحقيقة الكاملة،
« كل ما اعرفه ان عيني مختلفة جدا ولا اعني لونهما الابيض فقط» نظرت اليه « اشعر اني ارى اشياء لا يمكن لغيري رؤيتها»،،
جلسا تحت الاشجار عند الجرف المطل على الساحل يراقبان الصيادين المنهمكين في جمع شباكهم « كل ما اتذكره اننا لا نمكث كثيرا في اية قرية نسكنها وغالبا كنا نغادرها هربا تاركين بيتنا وامتعتنا خلفنا نتنقل كثيرا في القرى الفقيرة والحدودية ونسكن بعيدا عن السكان ولا اختلط بهم و السبب،، لون عيني،، اعلم انهما مختلفين لكن هذا لا يعني اني سيئة» و طغت نبرة الحزن على صوتها،ثم نظرت له و سألت« هل تراني وحشا» كان يركز بعينيها ثم دار رأسه نحو الساحل وقال « لو كنت كذلك لفررت هاربا» ضحكت ضحكة خفيفة وفي عينها لمعت دمعة وسرعان ما اختفت الضحكة واردفت « قد لا اكون وحشا لكن يبدو انني اجتذب الوحوش»
نظر لها بحيرة «ماذا تعنين؟»
« انا حقا لا اعرف ان كان ما امر به طبيعيا ام ان جميع الفتيات يمررن به، او اني اتخيل حتى»  كانت تكتم عبراتها محاولة السيطرة على الحزن العميق المتفجر داخلها كلما تتذكر ما تقاسيه « اشعر دوما بحركات حولي و،، لا اعرف،، اشخاص،، اشياء،، شيئ ما،، يقترب مني ويقف خلفي او جانبي وحين التفت لا ارى شيئا لكن اشعر ان قلبي سيتوقف من الخوف والفزع، احيانا ارى خيالات لاطفال مشوهين او رجال سود برداء اسود مغبر و قذر، طوال، واحيانا يكونون بيض بلون القطن، يراقبوني بصمت كأنهم يريدون الحديث لي لكني اغادر المكان او اتظاهر اني لا ارى شيئا، حتى حين اغتسل اشعر كأن احدهم يهمس في اذني بكلمات غريبة، اما النوم الذي يتمناها كل مرهق هو وقت تعذيب اخر لي وفصل من فصول معاناتي،»
« ماذا تعنين؟»
« اشعر ان احدهم،،،»  اطرقت برأسها وانفجرت بالبكاء، حاول الفتى ان يهدأها ناولها قارورة ماء شربت قليلا و استمرت بالبكاء مجددا محتضنة نفسها بذراعيها،  بقي الفتى يراقب انهيارها  ولا يعرف ماذا عليه ان يفعل
« هل اخبرت امك؟»
هزت رأسها بالنفي وهي تستجمع نفسها
« اسمعي، ربما تتخيلين لا اكثر»، نظرت له و قد تحولت اطراف عيناها للاحمر لشدة بكائها وقالت
« هل تظن؟ تقصد ان غطائي يسحب مني بقوة ويرمى على الارض تخيل؟  ام ان كوابيسي تخيل؟  ام ما حدث في،،،،» و امسكت عن الكلام
« اكملي»
« لا شيء» نهضت لتعود للبيت، لكنه اسرع وامسك بيدها وكرر « اكملي»
عادت وجلست في مكانها « ارى امراة في المرآة ثم يتغير شكلها لوحش برأس بشري مشوه وجسد قط يخرج من المرآة ويهاجمني، بعدها احصل على هذه متفرقة على جسدي»  ورفعت كمها كاشفة عن ذراعيها وقد انتشرت الكدمات الزرقاء والبنفسجية عليهما،، اتسعت عينا الفتى وهو يرى حجم تلك الكدمات ثم سأل «هل تؤلمكِ؟»
هزت رأسها بالنفي،، ادار رأسه وانزلت كمها ودام الصمت لدقائق قبل ان يسأل « كيف نجوتِ من الرصاصات؟»  شعرت بالتوتر قليلا وتضاربت الاسئلة الكثيرة في رأسه قبل ان تجيب بصدق اخيرا
« لقد بدأ الامر منذ ثلاثة سنوات، حيث انتبهت ان كل شخص يؤذي امي يتعرض للقتل بطريقة بشعة، لم تخبرني امي ما تقاسيه لكني اسمعها ليلا تبكي واعرف ان يومها كان سيئا وقد اساء لها احدهم، لم يكن بيدي حيلة غير البكاء والتألم لما تعانيه امي، لكن في اليوم التالي نتفاجأ بمقتله وغالبا مع عائلته، لم ادرك حقيقة الامر حتى قتل الفتية»
«الفتية!؟ اي فتية؟» 
« الفتية الذين قتلوا بالقرية منذ ايام،،،،»
قارب الوقت للعصر وترانيم تروي للفتى عن كل ما حدث ويحدث معها وعن كوابيسها و عن القريتين المهجورتين وكيف وجدت نفسها هناك بعد ان سارت نائمه، والطفلة ذات اليد المحروقة والوحش الاسود بقي الفتى صامتا ويلتفت بين فينه واخرى لترانيم ثم يعيد نظره للساحل والصيادين،  اما ترانيم وبرغم خوفها ان يصاب الفتى بالاذى لكنها شعرت ببعض الراحة وهي تشارك تجربتها المرّة مع احدهم،
« حسنا ترانيم،  ما قلتيه محير ويحمل الكثير من الالغاز والخفايا،  لكن اظن ان ما فعلته امك من اخفائك عن عيون الناس افضل حل في الوقت الحالي حتى تتعلمين حماية نفسك، اما بالنسبة لحوادث القتل فقد تكونين محقة انها حدثت بسببك بصورة مباشرة او غير مباشرة لكن لا اظنه سببا لتلومي نفسكِ فانت لم تعطِ الامر بالقتل على اقل تقدير ناهيك عن جهلك بــ،،، حسنا، ايا يكن،، انتِ لا تعرفين بوجود المخلوق اساسا ولا كينونته، لكن، ترانيم، عليك الحذر منه لا تعرفين ربما سيجرك الى ما لا تحمد عقباه او الى افعال شيطانية بكامل ارادتك»  سكتت ترانيم وهي تفكر بكل كلمة قالها، حتى قاطع صمتها قائلا « عليَّ العودة الان، اما انتِ فعودي لبيتك و دعِ الامور تسير كما قدر لها، لاتذهبي الى هناك ترانيم»  ثم نظر وركز في عينيها التي بدأت تتحول تدريجيا الى الاسود وقال بصوت خافت « لا تعودي» وغادر عائدا للبلدة، تبعته عينا ترانيم و بدأ الخوف يعتمر قلبها خشية ان يتعرض للخطر بسبب ما قالته له، بعدها نهضت وامسكت بزمام ليل ليدلها على الطريق فعيناها بدأت تفقد قدرتها على الابصار،،
في تلك الليل زادت مشاهدتها للكيانات الغريبة المتنقلة داخل غرفتها والعيون المراقبة لها من الزوايا المظلمة حاولت تجاهلها لكنها لم تتحمل اكثر فنهضت من فراشها وغادرت غرفتها مسرعة نحو غرفة امها وما ان امسكت بكوة الباب حتى تراجعت وعادت لغرفتها والخوف مسيطر على قلبها المفزوع سحبت غطائها وتدثرت فيه وجلست عند باب الغرفة  وقررت ان تبقى مستيقظة طوال الليل، ولكن ما ان اقترب الليل من ثلثه الاخير حتى غفت متعبة، في حلمها كانت تسير في مدينة انتشرت منحوتات وتماثيل الاسود في شوارعها وثيران برأس بشري و اناس تلونت ملابسهم بالازرق والاحمر والابيض شعرت بأن المكان ليس غريبا عنها وانها تنتمي له وفجأة غطى المكان دخان اسود وبدأ الناس يصرخون و علا صوت الصياح والبكاء وكأن الهواء يحمل مرضا احرق جلودهم و كان الناس يتدافعون بكل الاتجاهات محاولين الفرار متخلين عن اطفالهم و ذويهم كل منهم يطلب النجاة لنفسه في تلك اللحظة رأت طفلة بشعر اسود منسدل حافية القدمين تحيطها هالة سوداء تقف متصنمة و يعلو الغضب وجهها فجأة رفعت الطفلة رأسها وهي تنظر لترانيم وهمست بعدة كلمات عن لعنة لن تزال حتى يكتمل الثأر ،سمعتها ترانيم رغم المسافة الكبيرة بينهما، و رددت الكلمات بهمس خفيض وبنبرة خشنة مصحوبة بفحيح انتفضت ترانيم مرعوبة وفي اللحظة التي فتحت عيناها كانت الطفلة تجلس قبالتها مباشرة وفي عينيها ذات النظرة المرعبة وتردد ذات الكلمات صرخت ترانيم فزعة و هربت خارج الغرفة لتتصادم مع امها التي استيقظت على صوتها، بقيت ترانيم توزع نظراتها بين امها و غرفتها وكلها خوف ان تخرج الطفلة لكن بعد بعض الوقت تأكدت ان الطفلة اختفت ورغم محاولات امها لتدخل و تفتش الغرفة بحثا  عن ما افزع ابنتها الا ان ترانيم اصرت و رفضت رفضا قاطعا، ولكنها وافقت على اقتراح امها ان تنام معها هذه الليلة،،
استسلمت ترانيم للنوم بعد بعض الوقت في فراش رحمة التي بقيت تقبل وجهها وتداعب خصلات شعرها ثم نامت هي بدورها، وبعد لحظات بعد ان غطت رحمة بالنوم العميق فتحت ترانيم عينها وبدت وكأنها شخص اخر ونهضت مبتعدة عن امها وغادرت البيت وانطلقت نحو الجبل واختفت بظلام الليل،،
صحت ترانيم من حالتها تلك ووجدت نفسها في كهف اضيء بشموع قليلة، زادت ظلمته على انارته، جالسة على ارضيته وسط رسمة نجمة سداسية الرؤوس ووضعت اشياء متنوعة كأنياب واسنان وشعر حيوان وقطعة لحم يبدو انها جزء من كبد ما وعيون واشياء اخرى وضعت على كل رأس من رؤوس تلك النجمه السداسية ارتعبت وهي تحدق بتلك الاشياء ثم انتبهت لثوبها المليئ بالدماء مدت يدها لتمسك بطرف ثوبها فصدمت وهي ترى يديها مصبوغة بالدم زاد تنفسها وبدأت شهقاتها ترتفع مع كل استكشاف حولها ودموعها تنساب بلا توقف تلفتت حولها تستكشف الكهف وسقفه وارضيته بحثا عن مخرج لكنها صدمت حين رأت رموز  اعتادت على رسمها على التراب كانت الرموز مرسومه على جدران الكهف بالفحم و غيرها الكثير من الرموز و الاشكال على شكل بشر و حيوانات و السنة نار نهضت و عينها تجول على تلك الرموز والدم الذي على يديها واستسلمت لعبراتها باكية رعبا مما حولها تسحبت  وهي تجبر ساقيها على التحرك بعد بعض الوقت وجدت طريقها لخارج ذلك الكهف المرعب دارت بعينيها علها تجد ليل ليدركها ويعيدها للبيت لكن دون جدوى سارت مبتعدة وفرائصها ترتعش من الهلع و بدأ صوت بكائها يعلو شيئا فشيئا حتى وصلت منحدر الجبل وبلا وعي انطلقت راكضة باتجاه الساحل حتى وصلت المكان الذي كانت تراقب منه الصيادين ومنه الى البيت،،
دخلت غرفتها ولا تزال مرعوبة ترتعش بعدها نهضت ودخلت الحمام تغتسل وتغسل ثوبها من الدم وبين فينه واخرى تنهار باكيه ثم تستجمع نفسها وتكمل تنظيف نفسها والثوب،،،
عند الصباح كانت رحمة تبحث عن ليل لتطعمه لكنها لم تجده مهما حاولت، نادت عليه كثيرا بلا فائدة، صحت ترانيم من نومها و نهضت متعبة متثاقله ونست ما حدث معها ليلة البارحة، خرجت وهي تضع يدها امام عينها لتحجب الشمس عنها
« امي،، ما الامر؟»
نظرت رحمة لها وهي تحمل طبق طعام ليل
« لا اجد ليل، هذا غريب دائما يكون هنا ويهرع لي عندما يشم رائحة الطعام»
في تلك اللحظة فقط كأن تيارا كهربائيا سرى في جسد ترانيم وتذكرت تفاصيل لم تراها ليلة البارحة
كأن عقلها توقف عن التفكير و تحركت و تصرفت بلا ارادة، لكنها الان تتذكر جيدا ما حصل ليلة الامس، بانت ملامح الصدمة على وجهها استدارت و تحركت نحو غرفتها كأنها فقدت احساسها وهي تتذكر عندما غادرت البيت ولحق بها ليل كعادته و اتجهت نحو الجبل ودخلت الكهف ثم وضعت سلة القش التي احظرتها من البيت على الارض واستخرجت الشموع ثم نادت على ليل الذي اتاها طائعا غير عارفا بما سيحدث له، مسدت عليه قليلا بيدها ومدت الاخرى نحو السلة واستخرجت السكين ثم طعنته في قلبه اصدر صوتا هامسا قبل ان ينفق ثم بدأت باقتلاع عينيه وجز شيئا من شعره من جهة الرأس وفتحت بطنه لتخرج قطعة من كبده، و بدمائه رسمت النجمة و اكملت الطقوس،،  طقوس لم تكن تعرف ماذا رددت بها او لأي امر كانت، دخلت غرفتها واغلقت الباب وانهارت على الارض ترتعش ودموعها تتقاطر بصمت قبل ان تضع كفيها على فمها وتطلق الصرخات التي شعرت انها تمزق قلبها حزنا على رفيقها ليل،،،،*

رفعت رحمة رأسها وهي تمسح دموعها واغمضت عينا داوود، نظرت لترانيم ثم نهضت واقتربت منها، « كيف قتل السيد داوود ؟  هل رايتِ الحيوان الذي هاجمه؟»  ارتبكت ترانيم لكنها قالت « لا لم ارى شيئا  حين وصلت كان غارقا بدمه» و رمقت جثته لكن رحمة تحركت ووقفت امام...

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
طفلة الشيطان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن