الملعونة

365 10 0
                                    

 
تعب وارهاق كالعادة استيقظت من نومها وسار روتينها اليومي عاديا،كانت رحمة تراقب حالة ابنتها التي تزداد سوءا فقررت ان تفعل شيئا وان كان بسيطا،
« ترانيم، ما رأيك ان تأتي معي للسوق اليوم؟»
«لا اريد»
«لمَ لا؟ دعينا نذهب سويا ونشتري بعض الحاجيات قد يعجبك شيء ما وتشتريه»
« انا حقا لا رغبة لي بالخروج اريد البقاء وحدي»
« لا،  ليس اليوم، هيا واسرعي»  وسحبتها من يدها وعلى وجهها ابتسامة تشجعها على النهوض والاستعداد للذهاب، وافقت ترانيم على مضض و استعدت للذهاب ووضعت العصابة لكن رحمة فاجئتها بعصابة خفيفة يمكنها الرؤية من خلالها، وهذا كان امرا مرحبا به بالنسبة لترانيم وقد ارتسمت الابتسامة على وجهها، جعلت تلك الابتسامة من رحمة سعيدة فقد مضى وقتا طويلا منذ اخر مرة ابتسمت ترانيم فيه،،،،
طول الطريق نحو البلدة وسوقها كانت ترانيم شاردة الذهن مهما حاولت رحمة ان تعيد لها ولعها بالزهور البرية لكن دون جدوى 
« ترانيم،  هل تذكرين كيف كنت تقطفين الزهور»
هزت رأسها دون ان تنطق بكلمة، نظرت لها رحمة واكملت « كنتُ اريد الوصول بسرعة للسوق وكنتِ تتأخرين لجمع الانواع المختلفة»  ابتسمت رحمة لتلك الذكريات الجميلة، بعكس ترانيم التي لمعت دمعة بطرف عينها، انتبهت رحمة انها مهما حاولت اثارت اي موضوع فترانيم لن تهتم لذا اثرت السكوت،، كان الطريق نحو البلدة يقع ما بين الغابة من الجهة اليسار والبحر من اليمين وما ان قطعن نصف المسافة حتى سمعت ترانيم صراخ وتأوه قادم من جهة الغابة فزعت من الصوت وامسكت بذراع امها وهي تنظر ناحية الغابة حيث قدوم الصوت، امسكت رحمة بيديها وسألتها بتوتر
«ما الامر؟ هل هناك شيء؟»
ادركت ترانيم انها لوحدها تسمع ذلك الصوت
«لا، لاشيء لكن تخيلت قدوم احدهم»
« لا بأس لا تقلقي»  كان التوتر واضحا على ترانيم حاولت رحمة طمأنتها ثم اقترحت « اسمعيني، لازال الطريق نحو البلدة طويلا ما رأيك ان تزيلي العصابة و عندنا نصل ضعيها مجددا» وافقت ترانيم و ازالت العصابة عن عينيها، كانت تعرف ما تعانيه امها لكن لم يكن بيدها حل،،
استأنفن المسير وما ان تحركن عدة خطوات حتى عاد صوت الصراخ مرة اخرى وهذه المرة كان اشد و اكثر رعبا، شعرت ترانيم بالفزع لكنها اكملت الطريق متجاهلة الصوت،،
كان سوق البلدة مكتضا بالبضائع  والباعة ينادون على تجارتهم من الاقمشة الملونة والزينة اليدوية وبعضهم عرض طيور وحيوانات مختلفة وبعض النساء عرضن الطعام والحلويات كان السوق اشبه بالمهرجان بالنسبة لترانيم فهذه هي اول مرة تقترب من الناس و ترى حياتهم اليومية، كانت شبه شاردة الذهن وكثيرا ما كانت تصدم بالمارة حتى انتبهت رحمة لها وامسكت بكتفيها لتسحبها بعيدا عن طريق الناس والعربات او تريها شيئا جديد، رغم ان السوق مكانا عاديا لكثير من الناس لكنه ادخل البهجة لقلب ترانيم التي عانقت امها بقوة وهي تردد « احبك يا امي»
كانت ترانيم وليل يتسابقان ويتقافزان حول رحمة او قريبا منها وهم عائدون للمنزل بعد ان اشتروا حاجياتهم وانهاء رحمة زياراتها لمريضاتها، وفجأة تجمد ليل في مكانه وهو يحدق نحو جهة معينة ثم زمجر وبدأ بالنباح، شعرت ترانيم الرعب وعادت لامها التي احتضنتها وهي تقول « قد يكون ثعلبا لا تخافي سيهتم ليل به» ربما كانت رحمة تظن صدقا بما قالت لكن ترانيم كانت تعلم ما كان يختبئ في الظل، استمر نباح ليل وقتا وحاول الهجوم لكن ترانيم منعته وامسكت بيد رحمة وانطلقت هاربة، لم تكن رحمة كسابق عهدها  فقد مضى بها السن لذا لم تكن تتحرك بسرعة وهي تحاول تهدأت ترانيم وترانيم تراقب المكان حيث يزمجر ليل وهي تصرخ بأمها ان تركض لكن دون جدوى امسكت ترانيم بالحاجيات والقت بها ارضا ونظرت لامها وقد تحولت عيناها للأسود وكذلك جفنيها وتغيرت نبرة صوتها وبان عليها الغضب «قلت اسرعي، هياا»
ارتعبت رحمة فهي لم ترى حالة ابنتها هذه من قبل تحركت دون كلمة وحاولت الاسراع ثم التفتت ترانيم نحو ليل « ليل هيا تعال»  لكن ليل بقي ثابتا في مكانه و ينبح عندها صرخت ترانيم « چلو، رات»*١
ما ان انهت كلمتها حتى اطاعها ليل سريعا ابتعدا مسافة عن المكان حتى شعرت بالامان فتوقفن عن السير وبدأت رحمة تتنفس بصعوبة ثم جلست لتستعيد قوتها بعد عدة لحظات رفعت عينيها تنظر لابنتها التي اختفى اللون الاسود حول عينيها وعادت طبيعية،،
جلست ترانيم الى المائدة بعد ان وضعت الطعام لليل
بقيت رحمة تنظر لها بتوتر، شعرت ترانيم بذلك
«امي، انا آسفة، لم اكن اقصد الصراخ بوجهك»
«لا بأس، يا ابنتي، ولكن، اريد ان اعرف مالذي حدث هناك؟  لقد تحولت عيناك فجأة للاسود رغم ان الوقت كان عصرا وكذلك محجري عينيك»
اطرقت ترانيم ولم تعلق 
« اخبريني يا ترانيم،  هل حدث هذا سابقا؟»
«كلا،»  تلعثمت قليلا ثم قالت « لا اعرف»  ومدت يدها لتمسح دمعة سقطت،
«مالذي سمعتيه او رأيته هناك؟  انا متأكدة ان هناك شيء حصل رأيته او سمعتيه انت وليل، شيء خارج سمعي و نظري، اخبريني يا ابنتي اخبريني قد استطيع مساعدتك»
انسابت المزيد من الدموع من عينيها، رفع ليل رأسه وتوقف عن الاكل ونظر لها، مسحت عليه، ثم رفعت نظرها لامها وقد عزمت ان تخبرها بكل ما يحدث معها، ولكن ما ان رفعت رأسها، حتى رأت امرأة بعينين بيضاء و رداء ازرق تقف خلف امها مباشرة، تجمدت ترانيم من الرعب و شعرت انها لو تكلمت فستتعرض امها للاذية، اطرقت براسها مجددا
«لا شيء، لم اسمع او ارى شيء»
« ولكن..»
«قلت لم اسمع او ارى شيء» قاطعتها بقوة وغادرت بسرعة ودخلت غرفتها و اوصدت الباب خلفها، بقيت رحمة متحيرة فهي متأكدة مما رأت، ماذا ستفعل،
دخلت ترانيم نوبة بكاء وهي تتذكر تلك المرأة خلف امها، تلك المرأة التي تراها باستمرار مع وحش المرايا الذي يهاجمها دوما ويتسبب لها بخدوش مؤلمة و كدمات على جسدها، لن تغامر بأن تتعرض امها للاذى ومن يدري قد،، تقتل،،
تلك الليلة لم تتمكن ترانيم من النوم و بقيت تتقلب في فراشها كثيرا دون جدوى واخيرا نهضت من سريرها وخرجت خارج الغرفة بقيت تتجول داخل البيت للحظات قبل ان تتجه خارج المنزل كان ليل قد افاق على صوتها وتبعها ولكنها حين غادرت اوصدت الباب عليه في الداخل، وبقيت تتمشى قريبا من البيت وحدها، كانت ليلة ظلماء و زدادت الظلمة بسبب الاشجار، لكن الامر كان عاديا لترانيم فهي ترى بالليل كما ترى بالنهار، واثناء تمشيتها فجأة سمعت ذات الصوت المرعب الذي سمعته على الطريق نحو البلدة، توقفت مكانها وكأن مشاعرها قد تجمدت فلا هي تشعر بالخوف ولا القلق ثم استدارت واكملت طريقها اتجاه الصوت،
في تلك الاثناء استيقظت رحمة على صوت انين ليل وهو يحاول فتح الباب نهضت واتجهت للخارج، ورأته هناك « ليل، ماذا تفعل؟»  تلفتت حولها « هل تريد الخروج؟»  ثم امسكت كوة الباب وفتحته وسريعا انطلق ليل للخارج كأنه على عجالة من امره، عادت رحمة لغرفتها واستلقت في سريرها وغطت بالنوم،
وصلت ترانيم قريبا من مكان الصياح وهي لا تزال مستمرة بالسير نحوه كأنها تحت تعويذة سلبتها الارادة والتفكير كان الليل قد اقترب من ربعه الاخير والمكان غارق بالصمت والظلام عدا صوت تكسر اوراق الاشجار المتيبسة تحت قدمي ترانيم التي دخلت الغابة فاقدة الادراك، في بقعة ما اختفت الاشجار وظهرت مجموعة اخشاب محترقة، بدا وكأنه بيت خشبي قديم قد تعرض للحرق وبقي القليل من اطلاله شاهدة على جريمة حصلت هنا منذ سنوات، حيث احرقت امراة و طفليها احياء بعد ان اتهمت بالشعوذة، ومنذ ذلك الحين يسمع صوت تأوه السيدة وانينها وجميع اهل البلدة على علم بهذه الحادثه لذا يفضل الكثيرون سلك طريق اخر بعيد عن بيت السيدة وطفليها، شهقت ترانيم وكأنها صحت اخيرا من غيبوبتها الغريبة تلك وهي تسمع صوتا هامسا يروي لها في اذنها تلك الحكاية،، تلفتت حولها و قد تملكها الرعب كيف وصلت الى هنا ومن كان يهمس لها بقيت تتلفت حولها وهي ترتجف من الخوف والفزع وبدأت تصرخ « ليل، امي اين انتما، امي» وبين شعورها بالخوف وبكائها امسكت بثوبها وانطلقت خارج المكان الذي بدا منخفضا كانه حفرة اخذت تصارع لتخرج حتى وصلت حافة الحفرة فرأت سيدة بثوب اسود تجلس عند الحافة، مدت يدها لتسحب ترانيم وبدون تفكير امسكت ترانيم بيدها وخرجت من الحفرة شعرت بالراحه قليلا وهي تنظر لتلك الحفرة الكبيرة التي ضمت البيت المحترق وقد خرجت منها، نظرت لتلك السيدة لتشكرها، كانت قلنسوة الرداء قد غطى نصف وجه المرأة ولم يظهر سوى فمها، شفاه مجعدة وقد سقطت بعض الاسنان واصاب التسوس ما تبقى استدارت تلك السيدة الغريبة لترانيم وهمست بصوت خافت « لقد احرقوني حية، واحرقوا الطفلين معي رغما انهما كانا بريئين»  ثم ابتسمت بمكر « لم يمهلوني لانهي تعويذتي» سحبت ترانيم يدها بقوة من تلك السيدة « لكنهم اتموها حين احرقوا الطفلين» رفعت السيدة رأسها لتظهر ملامحها الشيطانية وتطلق ضحكة قوية ارتعبت منها ترانيم وصرخت فزعه وهربت لكن تلك العجوز هجمت عليها بقوة غير مألوفه لمن بمثل عمرها و اوقعت ترانيم وبدأت بخنق ترانيم وهي تردد « بدمائك سأستعيد شبابي، سأعود حية تماما وانتقم من الجميع»  كانت ترانيم تكافح تحت يدي تلك الشيطانه لتتنفس والمرأة تضغط بكلتا يديها على عنق ترانيم الواقعة ارضا « سأقتل الجميع كل من تسبب لي بألم وان كان خدشا سأقتل اطفالهم المزعجين امامهم»  واطلقت ضحكات السخرية « لقد انتظرتك كثيرا، انتظرتك ايتها الوريثة، فانت فقط من كان بأمكانه اخراجي من سجني» ضحكت مجددا «فقط كفي عن الحراك لا تقاومي سأعيش طويلا بدمائك» كانت ترانيم تصارع للنجاة وهي تشعر بالاختناق وبدون مقدمات امسكت بيدي تلك العجوز و نظرت بغضب لها وتحول جفنيها للسواد وصوتها للخشونة وصرخت «دور رہو»*٢
ارتعبت العجوز ورفعت يديها عن عنق ترانيم  وزحفت مبتعدة من فوقها وهي تطأطأ رأسها خوفا كأنها في حضرة سيدتها في تلك اللحظة هجم ليل على العجوز يعضها بقوة كانت العجوز تحاول التخلص منه فأمسكت بعنقه، عرفت ترانيم انها ستخنقه وتقتله فصرخت بقوة وقد عاد لها صوتها الطبيعي «اسے چھوڑ دو »*٣ عندها هجم مخلوقا اسود بهيئة البشر لكنه اكبر حجما و كان واضحا ان اطرافه تختلف ايضا وامسك بتلك العجوز وبدأ يوجه لها الضربات المتلاحقة ممزقا جسدها ومع كل ضربة كانت اجزاء من جسدها وكميات من دمائها تتطاير في الجو حوله وقد اختفى صوت العجوز والمخلوق مستمرا بتمزيقها، نهضت ترانيم وهي تجر انفاسها بقوة وكأن الشيء الوحيد الذي في عقلها هو العودة للبيت نهضت وهي تردد «چلو، رات، چلو، رات» تبعها ليل ولم تتوقف عن الركض حتى وصلت بيتها والقت بجسدها على السرير منكمشة على نفسها،،،،،،*
__________________
١* تعال يا ليل
*٢ دعيني
*٣ اتركيه

» «قلت لم اسمع او ارى شيء» قاطعتها بقوة وغادرت بسرعة ودخلت غرفتها و اوصدت الباب خلفها، بقيت رحمة متحيرة فهي متأكدة مما رأت، ماذا ستفعل، دخلت ترانيم نوبة بكاء وهي تتذكر تلك المرأة خلف امها، تلك المرأة التي تراها باستمرار مع وحش المرايا الذي يهاجمها...

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
طفلة الشيطان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن