الجزء التاسع عشر

513 23 42
                                    

من جرب الكي لا ينسى مواجعهُ
ومن رأى السم لا يشقى كمن شربا
حبل الفجيعة ملتفٌ على عنقي
من ذا يعاتب مشنوقاً إذا اضطربا؟

...

تلاشت الألوان من حولها، وحدها هي وصمة
الألم التي تركها على عنقها الطويل، وكأنها جرت
دماءً حمراء اللون، تركتها تغرق في بحر من الحزن
والغموض. ابتعد عنها ببطء، وكانت آخر لمحة له
تختفي في مهب الرياح، تاركاً وراءها صدى الخيبة
والفراغ. بينما تعانقت يدها برقبتها بقوة، شعرت
بالألم يتسلل إلى كل خلية في جسدها، وهي تتبع
خطواته المسرعة نحو الخروج من المطبخ، قبل أن
يصل إلى بابه، لف ووجهه يتخلله ابتسامة النصر والسخرية، في حين غطت ملامحها الصدمة والخزي،
كانت تحاول تقديم مشهد طبيعي على الرغم من
العواصف الداخلية التي تتقاذفها. تنفست ويدينها
ترجف، حاولت تسيطر على أعصابها، وراحت لزاوية
المطبخ اللي فيها شباك يعكس صورتها، ناظرت
شكلها ورتبت فوضى شعرها ومسكت رقبتها بألم
وقهر. كيف بتطلع الحين قدام أهله أكيد في أثر
للجريمة اللي سواها. فجأة دخلت صالحة وناظرتها
من فوق لتحت، ود لفت لها ومسكت رقبتها مكان
القرصة وأخذت نفسها وطلعت بسرعة. صالحة
أخذت الشاي اللي العاملة سوته وراحت وهي
مستغربة.

.. صعدت فوق بسرعة ودخلت غرفة غريب، لف
وناظرها بابتسامة ثم اختفت الابتسامة أول ما
طاحت عينه على رقبتها الحمراء. غريب وقف
بخوف: رقبتك! ود فتحت شعرها اللي كان مربوط
عشان تغطيه وتوجهت لغريب بابتسامة ذابلة: طحت
وتعورت في الدولاب، ما عليك مني أنت قول لي
حليت واجبك ولا لا؟ غريب بعفوية بعد شعرها
عن رقبتها وناظرها: يألمك؟ ود رجعت شعرها مكانه
وابتسمت: شوية بس مو كثير لأني كبيرة وآكل كثير
وأشرب حليب لما أصحى. غريب ابتسم بهدوء، ثم
ركض وجاب دفتره وصار يعلمها أنه حل كل المسائل
الرياضية. ود طول الوقت قاعدة تفكر، بما أنه عرف
أن تهاني مالها ذنب باللي صار، ليه ما تصرف مع ولد
عمها المجرم؟! ليه القضية ما أخذت مجراها؟ ليه ما
نسجن وليه هي هنا؟ أسئلة كثيرة براسها بس للحين
مالهم إجابة.

.... بيت عنتر. في الصالة، كانت غزل
قاعدة بهدوء تتقهوى وفتحت الشباك والهواء يلعب
بشعرها الطويل. بس تفاجأت برنا جايه صوبها وهي
متكشخة. جلست رنا جنبها، وهي تناظرها بنظرات
غريبة، ولكن غزل ما عطتها أي تعبير ووقفت تستعد
لصب القهوة، ما تقدر تتصرف مع أي أحد بغير الأدب
حتى إن كان هذا الشخص عدوها لأن هذا الشيء
اللي تربت عليه واللي تزعزع بداخلها من لما هي
صغيرة. مدت القهوة لرنا بس بادلت رنا الابتسامة
بسخرية ورفضت القهوة بلطف. جلست غزل بعيداً
بهدوء، تجنبت أي احتكاك معها، محافظة على
سلامة نفسها ما تبي تصدع راسها لأنها عارفة أن
البنت ماهي بصاحية وأنه من الأفضل أنها تقعد
ساكتة. رنا خزتها من فوق لتحت: ما شاء الله كم لك
حامل؟ غزل ابتسمت بهدوء: تقريباً ست أو سبع
شهور. رنا تنهدت بابتسامة مليئة بالحقد: مسكينة
شكلك على نياتك، ما تدري أن عنتر ما أخذك إلا
عشان السجل التجاري، صراحة أول مرة أشوف
واحدة هبلا لهذي الدرجة ههه. غزل ببرود: طيب
أنتِ وش دخلك. رنا بضحكة ساخرة: تحسبي أنه
أخذك عشان جمال عيونك ما تدري أنه ما يحبك
وما أخذك إلا عشان فلوسك ولا بتجيبي منه ولد
عشان ياخذ الجنسية وبعدين يرميك مثل الكلب*.
ما كملت كلامها لأنه جاها كف من غزل بنظرات
حادة: احترمي نفسك واعرفي مع مين تتكلمين، لا
والله أرجعك من مكان ما جيتي وأخليك تندمين
على كلامك هذا!! رنا مسكت وجهها الأحمر بصدمة
ووقفت، وغزل مشت عنها لكن بحركة خبيثة
وحاقدة مدت رجلها قدامها فجأة، غزل ما حست
بنفسها إلا عالأرض طايحة، مسكت بطنها بألم
وصارت تصرخ من الألم... .. كان توه داخل البيت
وسمع صراخها، ركض للصالة بسرعة وشافها على
الأرض، توجه لها بسرعة: بسم الله بسم الله وش
صار وش فيك؟ غزل ماسكة بطنها ودموعها على
خدها من الألم: بموت. رنا واقفة قدامه وماسكة
فمها بصدمة. فجأة كل اللي بالبيت تجمعوا في
الصالة من أصوات الصراخ وكلهم خايفين. عنتر
شاف دم يطلع منها، حط راسها على فخذه ويده
ترجف مو عارف اش يسوي، صرخ بصرخة هزت
البيت: اطلبوا الإسعاف!!!! بعد ثلاث ساعات متواصلة
في المستشفى حس بيد على كتفه، رفع راسه وشاف أبوه.
عمار بتعاطف: اهدأ لا تخاف إن شاء الله أنها بخير.
عنتر نزل راسه مرة ثانية، تسللت من عينه دمعة: إن
شاء الله. مروان كان واقف بآخر السيب وماسك أمه
اللي طول الوقت تدعي أن غزل تطلع بالسلامة.
تركها قاعدة وراح يجب لهم مشروبات تبرد عليهم
، وزعها على أمه وأبوه ومد لعنتر: اشرب عشان يخف
التوتر شوي. عنتر وهو حاط راسه بين يدينه وعيونه
للأرض: مابي شيء. مروان قعد جنبه وفتح العصير
: خذ بل ريقك ما شربت ولا شيء من ثلاث ساعات.

مسكين من قد بليِّ بالغرام ♡حيث تعيش القصص. اكتشف الآن