Part 20: كِبرِياء و تَحَامُل

171 23 2
                                    

_قراءة ممتعة_💓_







قضت وقتا طويلا تحت غطائها، على سريرها الذي شعرت و كأنه الوحيد الذي يحتويها في هذا العالم، كرهت جان لوهلة، فتلك القسوة التي أبداها كانت غير مسبوقة البتة، قوله ذاك بصريح العبارة أنها استحقت الضرب الذي تعرضت له جعلها تشكك في سلامته العقلية، فكيف:

-بالله عليك تعتبر شخصا تعرض للضرب ظلما كمُستحق لما جرى له؟؟!!

صرخت بصوت شبه عال من بين عبراتها التي أبت التوقف منذ الصباح، و قد عصف برأسها صداع شديد، جلست و ضمت يديها في حجرها، ستكذب إن قالت أنها لم تكن حزينة و مع ذلك كان صوت ضميرها يطنّ في أذنيها و يخبرها أن تكف عن إضاعة الوقت في الحزن على كلمات و أحداث قد مرت بالفعل، مهما كان أثرها، ففي الأخير كانت قد نجت بأعجوبة من عقاب مادي ما، و كان هذا هو نقطة الضوء الوحيدة في الموضوع برمته.

في الأصل الفراغ يقتل و يترك المجال للتخيلات السلبية للقدوم من كل حدب و صوب، بعد تفكير قصير في صحة ما يمليه عليها ضميرها اتجهت إلى الحمام، غسلت وجهها دون النظر إلى المرآة، كي لا تلحظ احمرار و انتفاخ عينيها و وجهها عموما، يجب أن تعِد مشروبا ما، كوب حليب ساخن بالشكولاته بدا جد مغر، كانت الساعة تشير إلى الثالثة مساء، من المحال أن يكون جان في المنزل إذ لم تكن ترغب في رؤيته حقا، لأنها إذا فعلت ستزيد حقدا، الأفضل ألا تصطدم به مجددا حتى تهدأ أعصابها و تدرك أن ما فعله يصب في صالحها. قبل أن تنزل إلى أسفل تناولت مفاتيح غرفتها التي أوصدتها حتى لا يزعجها أحد، الموضوعة على مكتبها، و قبل أن تستدير على أعقابها لفت انتباهها من جديد الدائرة التي تحيط بتاريخ الثالث من شهر شباط فبراير، و الذي تبقى على موعده عشرة أيام، حدقت به لبرهة، وضعت المفاتيح على سطح المكتب ثانية ثم تناولت قلما للتصحيح، ثبتت التقويم بأصابعها الرفيعة و استخدمت يدها الأخرى في مسح تلك الدائرة التي غفلت عنها عندما اتخذت قرار طي صفحة كريس تماما، أي التخلص، أو على الأقل الإبتعاد أي مؤشر يذكرها به، كالملابس التي كانت ترتديها آنذاك مثلا، عاودت التحديق به مجددا، و شعور بعدم الارتياح يساورها، بعدها شعور باللامبالاة، رفعت كتفيها قليلا ثم التقطت المفاتيح و كانت الوجهة هي المطبخ، أعدت كوب الشوكولا بعناية و أضافت على سطحه بعض المارشميلو المصغر، عادت أدراجها نحو غرفتها، أزاحت الستارة البنية الداكنة الثخينة، و هنا كانت المفاجأة، انفتحت عيناها قليلا و فتح فمها إنشين أو ثلاثة، ثم ما لبثت أن هتفت و ابتسامة كبيرة تشق وجهها:

-يا إلهي! غير معقول!

ليست هي وحدها من كانت ترتدي كنزة بيضاء صوفية، بل كل شيء في الخارج، أيضا كذلك، إذا فتحت الشرفة ستصاب بنزلة برد حتما و ستؤلمها مفاصلها، لذا...فتحت الشرفة، وضعت الكوب على الطاولة المستديرة الصغيرة التي لولا سطح القرميد لكانت قد لونت بالأبيض هي الأخرى، كما الأريكة و الكرسي الهزاز الذي تدحرجه الرياح الطفيفة الى الأمام و الخلف، حفنت بعض الثلج المتراكم على سطح الدرابزين في يدها، و استشعرت ملمسه باستمتاع شديد، إذ أن ثالث شيء تحبه بعد الحيوانات الأليفة و زبدة الفول السوداني كان هو الثلج، قاومت بشدة الرغبة في البقاء أكثر لكن مفاصلها التي نبضت ببعض الألم ثنتها عن ذلك، لذا آثرت الدخول، على كل حال كان يجب أن تشفى بسرعة، لأنها تكره المرض، يجعلها تشعر و كأنها عبء، ليس على الآخرين بل على نفسها، التشنجات المصاحبة لكل حركة تسبب لها السأم و السخط، أحضرت مشروبها الذي برد قليلا، و عادت إلى الداخل، لكن لم تسدل الستائر كما في الأول، حيث كانت تريد الانفراد بنفسها و إعطاءها الحق في جو مشحون بالحزن، شغلت حاسوبها و فكرة التفرج في فيلم ما تراودها، فيلم يحسن مزاجها، ليست معجبة كبيرة بالأفلام عموما، لأنها تجد بعض الملل في متابعة شيء واحد لمدة طويلة، حتى الكتب، إذا ما تجاوزت مئة و خمسين صفحة على الأكثر تتكاسل تماما و لا تعطي ذلك الكتاب و لا حتى فرصة، مؤلفات دوستويفسكي كانت استثناءا، لأنها كانت شبه توصية من جان على قراءتها، و بالطبع لم يكن لها مجال للرفض، كما أنها و لو أنكرت ذلك، أحبت بشدة أسلوب الكاتب الذي يوحي بأنه مريض نفسي حقيقي.

ليس لساندي نوع محدد تفضله من الأفلام، لكنها إذا اضطرت للاختيار، لن تختار أفلام اكشن، أو رعب أو خيال علمي حتما، فبدل التحليلات و الشكوك و الاحتمالات المتطايرة منذ اللقطة الأولى، الاستمتاع باللحظة و الاسترخاء و إراحة العقل تبدو الأهداف الأكثر منطقية لمشاهدة فيلم.

و بينما هي تقلب ملصقات الأفلام عسى إحداها يجذب انتباهها، و ملخصات قصصهم، لفت انتباهها أحدهم يدعى كبرياء و تحامل، سبق لها و أن قرأت حوالي نصف تلك الرواية، لكن نظرا لعدم تركيزها جيدا في الأحداث بإمكانها القول أنها نسيت معظمها، لم تتردد كثيرا كما لم تكن لها كل تلك الرغبة في الاجتهاد و البحث أكثر، أطفأت الأنوار و استرخت على سريرها لتتابعه.

Ordered Anarchy ¿ الفوضى المنظمة Donde viven las historias. Descúbrelo ahora