Part 29: زُبدَة الفول السُّوداني

177 22 2
                                    

_قراءة ممتعة_💞_


ذراعها اليمنى مبسوطة على طولها، و ذراعها اليسرى مثنية على شكل زاوية قائمة بحيث شكَّل ظهر يدها اليسرى وسادة صغيرة لخدها الأيمن، بكت كثيرا بينما كانت تجول قبل ساعات في الغرفة بخطوات صغيرة بطيئة نتيجة تشنج عضلاتها، لوهلة شعرت و كأنها امرأة حامل في شهرها التاسع، تمشي بالكاد، اكتشفت مكونات الغرفة و مدى كبرها و أين يقع الباب، الذي يُفتَح بجهاز مستشعر للبطاقة التي لن يتركها كريس في متناولها طبعا، خنقها كبر المكان و أحست بوحشة لم يسبق و أن شعرت بها، أزاحت الستائر الكبيرة جدا لكن الإطلالة الوحيدة هناك كانت هي حديقة المنزل المقابلة للطابق الأرضي و الطريق المحاطة بأشجار القيقب المؤدية إلى منعطف مجهول، شهقت و انتحبت و هتفت بأسماء عدة، جلست في أماكن مختلفة، و طرقت الباب بقوة، صرخت و مزقت نسخة عقد الزواج إلى أشلاء، دارت حول نفسها دورات عديدة ممسكة بأذنيها كي تمنع صدى صوته و هو يقول لها أنه زوجها القانوني، و أغمضت عينيها كي لا ترى صورة توقيع جان التي لم تفارق مخيلتها، كان ذلك الجزء الأكثر إيلاما، كلما تذكرته شعرت بالمغص و ذبحة صدرية تمزق أضلاعها، جرحت شفتها السفلى من كثرة عضها لها و شعرت بوخز حاد في قدميها الحافيتين من كثرة عبورها للغرفة جيئة و ذهابا، مرت ساعات طويلة و هي على تلك الحال و لما نال منها التعب و الدوار عادت إلى سريرها و تكورت على نفسها محيطة ذراعيها حولها في عناق فردي تأمل أن يمنحها بعض الدفئ الذي افتقدته بشدة، خلال ذلك البرد، أو الصقيع الذي يحيط بها، تلك الوحدة المريرة، و الأفكار السلبية التي تطوف حولها كأشباح مانعة إياها من النوم، أشباح تُذَكِّرها بموت أمها و تخلي جان عنها، لتغفو مع حوالي التاسعة صباحا، بعدها بنصف ساعة، جاء صوت طنين جهاز الباب المستشعر معلنا عن دخول كريس، حاستها السادسة أرسلت لها إشعارا فاستفاقت بسرعة و جلست جلسة متأهبة، في الأصل لم تغط في نوم عميق، كانت غفوة نتيجة التعب ليس إلا، اتجهت نظراتها ناحية الباب هناك حيث ظهر حاملا طبق الفطور، وضعه على منضدة مستديرة مصنوعة من خشب البلوط كما أغلب القطع الخشبية التي هناك، و مطلية بطلاء لامع يمنحها طابعا أرستقراطيا عتيقا، استرسل خطواته حتى أدرك السرير و طالع عينيها المنتفختين من البكاء وجهها المحمر المتعب و شفتها المجروحة، لم يدر ما يقول، صراخها قبل ساعات الذي زلزل صداه كل أنحاء المنزل، و حركاتها من خلال كاميرات المراقبة التي سيكذب إن قال أنها لم تجعله يخاف عليها من التسبب في كارثة ما، و يفكر بجدية في حقنها بمهدئ ما أو ما شابه.

هل يطلب منها أن تخفف من روعها؟ و أن تكف عن البكاء و قتل نفسها بتلك الطريقة؟ إذ أن استمرارها على تلك الحال له نتيجة واحدة لا غير، و هي إصابتها بمرض نفسي عضال، هو لا ينوي حبسها ولا تقييدها، لكن يحتاج إلى بعض التأمين، إلى تكوين ثقة تُمَكِّنه من منحها جزءا من حريتها التي تتسبب هي نفسها في سلبها منها، نظراتها العدوانية و شهيقها العنيف نظرا لانسداد أنفها، و زمها لشفتيها كي تمنع نفسها من البكاء، كانت أشياء غير محبذة له، حتى الطعام، يستحيل أن تأكله، كان يحاول، لكن كل محاولاته محكوم عليها بالفشل منذ البداية، ببساطة لأنه جعلها تكرهه.

Ordered Anarchy ¿ الفوضى المنظمة Donde viven las historias. Descúbrelo ahora