|• الأرمَــــلة الحَمراء •|

6.7K 416 166
                                    

 
~ وَعَدتني بأن تمنَحني الحب.. لكنّك أَسقَيتني إيّاه بِجرعاتٍ مِن الأَلم ~

~ بين الشياطين والملائكة يوجد البشر يا لاروسا..~

_______♡________

على ألحان القيثارة عزفت اغنية منبثقة من رحم آلامها و حرّكت أصابعها بين أوتار قيثارتها وكأنها تشد وتين قلبها الممزق لتعيد تجميعه ثم تمزّقه من جديد.. اتكأت على القيثارة الكبيرة لتمتزج خصلات شعرها الذهبية مع ذهب هيكلها. 

  بتلك القاعة الفارغة التي لا تحوي شيئا سوى الجدران الصّماء وتلك الآلة التي جعلت الصلب يتحرك ليداعب صوتها الجو المرهق.. كل شيء بذلك المكان كان يتمايل مع أحزانها وكأن الهواء و الأرض حتى السقف البليد اكتسى بثوب الأسى مع النغمات التي تردد صداها بالجو.. لم تكن تعزف شغفًا بالموسيقى وحسب، بل كانت تسحب كل وتر على نية أن يوصِلها بماضٍ لم ترد نسيانه أبدا..

 بظلام الغرفة أغلقت عينيها كي لا يتجرأ أحد على رؤية دموعها التي تدفقت فوق وجنتيها كشلال أبى أن يتوقف أو أن يروا حالتها السوداوية تلك وجسدها الذي تفرّش الأرض العارية واحتضن أوتار القيثارة كأنها شرايينها التي توصل الدم لجسدها..  

من يرى ذلك المنظر الملحميّ يظن أنه لمطربة متمرسة بعزف القيثارة أو أن العازفة تتلذذ بصوت ألحانها كل ثانية ولحظة، لكنها استدارت نحو الجدار الزجاجي الذي طلّ على غابة كثيفة قابِعة أمام تلك الغرفة تماما أو بالأحرى أن تلك الغرفة مبنية وسط الغابة على علو شاهق منها.. لمعت عينيها السماوية  كحجر الياقوت بسبب الضوء البسيط الذي تسلل عبر الجدار الزجاجي الذي سمح بوصول أصوات الصراخ المتهالكة إلى أذنيها.. فأغمضت عينيها مجددا واستمرت بالعزف مع كل صرخة تسمعها كأن تلك الصرخات أشبه بنبيذ عتيق يوصلها لأعلى درجات الثمالة والنشوة.. 

تعالى صوت زئير وحشي وبعده صوت صراخ قوي فانقطع الصوت فجأة،  فاستنشقت الهواء بقدر ما حملت رئتيها و تنهدت بقوة لتكمل تلاعبها بأوتار آلتها لتصل لنوتة عاليةٍ ثم تعود للنوتات الهادئة مجددا..

 من يسمع صوت موسيقاها يدرك مدى الصراع الدَّامي الذي يحمله ذلك الجسد الطريّ.. بإمكان الشخص أن يسمع الصرخات والآهات المتحسِّرة من خلال ألحانها الكئيبة والعنيفة كالإبر الحادَّة.. ملمسها ناعم ورأسها جارح.. بخفة وبدون صوت إن اخترقت القلب تقتله. 

ألقت نظرةً باردة على الغابة التي عمّ فيها الهدوء بعد سلسلة من الصراخ المدوي، فتنهّدت بتعب ثم تركت القيثارة ووقفت لينسَدل فستانها الأحمر الطويل على كامل جسدها ثم جرّته معها وهي تخطو حافية القدمين خارج الغرفة.

 نزلت من السلالم الطويلة بهدوء إلى أن وصلت لردهة كبيرة ذات جدار زجاجي أيضا، لكن منظر الطبيعة والأشجار الخضراء كان أكثر حيوية مما يجعل المرء يشعر فعلا أنه يعيش داخل الغابة حملت جهاز تحكم من طاولة وسط الردهة ثم ضغطت على أحد أزرارِه فتزحزح الجدار الزجاجي من مكانه ثم تراجع  ببطء و اختفى داخل الجدار الاسمنتي. 

ظلال و دماء |• The Black Donحيث تعيش القصص. اكتشف الآن