المقدمة

216 18 16
                                    

لقد رأيت الثقب في سفينتك منذ اليوم الأول للرحلة، ولكنني قررت الإبحار معك ظنا مني بأن الحب يصنع
المعجزات
"مقتبس"

________

أتسائلُ أحيانا عن حياتي لو لم نقع في صدفةِ لقائنا، لو اخترتُ البقاء في وِحدتي، و أنهيتَ أنتَ مساركَ كما اخترتهُ لنفسكِ، ماذا لو فضلتَ النجاة بدل اغراقي في سوادك الذي حاوتُ انقاذكَ منهُ؟
أتظن أنني فتاةٌ ضعيفة للحدّ الذي يجعلني سهلة الغرق؟ لا لم أكن كذلك، لطالما كنت الإنطوائية التي لم يستطع أحد التقرب منها، لطالما قيدتُ نفسي بأغلالٍ وهميةٍ تحميني من وحشية العالم.
ليتَ الأقدارَ لم تجمعنا يومًا و انقضَى علينا الزمنُ غرباء!

________

بعد يومٍ متعب قضيتُه بين جدران المنزل، رنّ هاتفي كعادته، وكانت صديقتي رنيم على الطرف الآخر تقترحُ قضاء الأمسيةِ في المكتبة مع الأصدقاء.

لنعد إلى بداية اليوم. كان صباحُ السبت هادئاً ومشرقاً، اليومُ الذي أخصصه عادةً لترتيب مُخلفاتِ الأسبوع. بدأتُ بترتيب كتبي وأدواتي، كل كتاب يجد مكانه على الرفوف بعناية. ثم انتقلت إلى ملابسي وإكسسواراتي، أضع كل شيء في مكانه المناسب، كما لو كنت أرتب حياتي نفسها.
بعد ذلك، بدأت بتنظيف غرفتي. كان للمكان عبق النظافة والنظام، شعور بالراحة تتسلل إلى قلبي مع كل زاوية أُرتبها. ثم توجهتُ لمساعدة أمي قليلاً في الأعمال المنزلية. و بعد الانتهاء، استقريتُ على الأريكة مع كتابٍ، غارقةً في عوالمه البعيدة. أحيانا، أستبدل الكتاب بمسلسل شيق، أستمتع بكل لحظة بهدوء. كان يومي يَمضي ببطء، لكنه مليء بالرضا والسعادة الذاتية. أحياناً، كانت رنيم أو إلين تنضم إليّ، فنقضي بعضَ الوقتِ معاً، نتبادلُ الأحاديثَ ونستمتع برفقة بعضنا البعض.

هذه هي حياة لَياء، الحياة التي تُفضل فيها العزلة على الصخب الاجتماعي، كرحلة من الهدوء والتأمل، وسط عالم لا يتوقف عن الدوران؛ مكتفية بصديقتين وبعض المعارف المحدودين. حتى علاقتي بمجموعتنا كانت محدودة آنذاك، أجد الراحة في الانعزال والانغماس في عالمي الخاص.
ومع اقتراب نهاية السنة ونهاية مسيرتنا الدراسية، جاء هذا اليوم كاستثناء لقبول اقتراحهم، حيث أردتُ أن أمضي وقتاً أكثر معهم قبل أن يفترق طريقنا. لذا اتفقنا على الساعة الخامسةِ بعد الزوال، وأخبرتني أن كل أفراد مجموعتنا سيلتقون هناك، في مكتبة هادئةٍ تملأها أصوات الكتب والضحكات، والتي ستشهد على تجمُّعاتنا للمرة الأخيرة قبل أن تتبدد أضواء الحياة الجامعية وتفتح لنا أبواب المستقبل المجهول.

شعرت بحيوية غير معهودة وتحمست للقاء اليوم. ربما لأن وقتاً طويلاً قد مضى منذ آخرِ مرة قمنا فيها بنشاط كهذا. نهضت بحماس من فراشي وبدأت أستعد لهذه الأمسية المميزة. تنقلت بين خزانتي وأرفُف ملابسي، أجرب العديد من التنسيقات. في النهاية، وقع اختياري على فستان أسود أنيق، مع جاكيت جينز زرقاء تضفي لمسة عصرية. جمعت شعري للأعلى بإحكام، وزينته بشال حريري ملون بالأبيض والأزرق يلتف برقة حول عنقي. ومع اقتراب الموعد، وضعت الماسكارا لتبرز عيناي، وأضفت قليلاً من أحمر الخدود ليُضفي حياة على وجنتيّ. رششت عطري المفضل، ذاك الذي يذكرني بأجمل اللحظات، ثم ارتديت حذاءً أبيض أنيقاً يكمل إطلالتي.

خرجت من البيت وأنا أشعر بنسيم المساء يداعب وجهي. كان الجو يحمل في طياته نسمات الصيف الدافئة التي تبعث الأمل والتفاؤل. حين وصلت إلى المكتبة، كان الأصدقاء قد بدأوا بالتجمع، و المكان ينبض بالحياة والضحكات؛ أدركت حينها كم كنت أفتقد هذه الأجواء..

تبادلنا أطراف الحديث ونحن ننتظر وصول آسر وآلاء، الثنائي الذي أضاف رونقًا خاصًا لمجموعتنا التي كوّناها العام الماضي. كانت المكتبة تضج بأصوات الطلاب والمناقشات الهادئة، بينما جلسنا في زاوية منعزلة نسترجع ذكرياتنا ونخطط لمستقبلنا.
لو سألتموني آنذاك عن رأيي في علاقة آسر، ابن عمتي، بآلاء، لكنتُ أجبتكم بلا تردد: "هراءٌ في هراء". فلم أكن أفهم المعنى وراء علاقة تنشأ بين زملاء قسم فقط. كانت اهتماماتهم وثقافاتهم مختلفة تمامًا، فما الذي يجمعهم غير قاعة دراسية؟ كنت أعتقد أن هذه العلاقة ستنتهي بمجرد انتهاء مسارهم الدراسي، وكل منهما سيسير في طريقه الخاص نحو المستقبل.

دائما ما كنت أرى أن الحب ما هو إلا حدّ نرفع مساحته بين صديق ما نختاره لنبقى على اتصال دائم، و لنقربه إلينا على غيره من المجموعة، إلى أن يمل أحد الطرفين فيبدأ الصراع من أجل الإنفصال، و أراه أيضا سببا في تفريق مجموعة من الأصدقاءِ الذي تركوهم خلفهم في صراعِ منِ المحق.
لكن لست معارضة ما دامت علاقتنا مستمرة، نقضي أوقاتا جميلة و ممتعة مع بعضنا، و في نهاية اليوم يعود كل منا غريبا عن الآخر إلى الملتقى الموالي.
و هذا ما سيغيره القدر بعد هذا اللقاء.

عندما اكتملت مجموعتنا، غرقنا في حديث عن مجموعة من الكتب، الروايات، و العديد من الشخصيات التي يحبها البعض و يكرهها البعض الآخر، و ربما هذا ما يجعلُ صداقتنا مستمرة، اهتمامنا التسعة بالكتب، الفن، الموسيقى، الافلام، و المسلسلات؛ فقد كانت نقاطنا المشتركة متعددة، و نجدُنا غارقين في حديث كل واحدٍ على حدى، نعبر بكل أريحية، و ننسى ضغط الدراسة.

لأتكلم قليلا عن المجموعة التي تسعد لَياء بجوارها:
رنيم و إلين، الأقرب لي، هن ابنتا خالة، و تعرفت عليهن في السنة الأولى إعدادي.

علي، المقاوم القوي، و هو الأكبر فينا، تعرفنا عليه السنة الماضية بعدما كرر الفصل الدراسي بسبب مرض سرطان الغدة الدرقية، لكنه حارب و هزمه، و ها هو يصدمنا كل مرة بتحليلاته القوية، يميل للأكشن و الرعب.

أما سارة و بهاء فهم توأم، يختلفان باختلاف الشمس و القمر، إحدهما يميل للأكشن و الخيال العلمي، و الأخرى درامية، تميل للكتب النفسية، و تقوم بتحليل شخصيات أي رواية، إنها المبدعة في المجموعة.

لؤي، فهو صديق علي و الذي يدرس حاليا بمدرسة للصحافة.
آلاء، أصغر فرد في المجموعة، و لا شك أنكم خمنتم أنها الرومانسية، و الفراشة الإجتماعية.

و في الأخير، آسر، إنه ابن عمتي الذي يصغرني بشهرين، و هو الأخ بالنسبة لي، و لولا آلاء لما ظل يجتمع بنا، لأنه يميل للعزلة و الرسم، و هذا ما يجعلني لا أحبذ علاقته بآلاء؛ فاختلافهم يجعلني أنفر منها.

و ها أنا، لَياء، و سأترككم تكتشفون قصتي بأنفسكم.

Insta: @lets_be.strangers
_

_______________________________________

هذه أول رواية لي🤭 بتمنى لكم قراءة ممتعة🥹❤️‍🔥
و مرحبا بتعليقاتكم و ملاحظاتكم💘
شكراا💘🎀

لِنعُد غُرباءًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن